وهذا مثل واحد من المجادلة بالتي هي أحسن التي ينجذب إليها كل من يسمعها ، ويدلّ على أن الإنسان يجب أن يكون بعيدا عن التحزب أو طلب التفرقة ، فنداء الإسلام هو نداء الوحدة والتسليم لكل كلام حق.
وأمثلة هذا البحث كثيرة في القرآن ، ومن ضمنها ما أشار إليه الإمام الصادق عليهالسلام إذ قال : «أمّا الجدال بالتي هي أحسن فهو ما أمر الله تعالى نبيّه أن يجادل به من جحد البعث بعد الموت وإحياءه له ، فقال الله حاكيا عنه : قل (يا محمّد)» (يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ) (١).
والآية الأخرى تؤكّد على الأصول الأربعة التي سبق ذكرها في الآية المتقدمة ، فتقول : (وَكَذلِكَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ) أي القرآن.
أجل ... نزل هذا القرآن على أساس توحيد المعبود ، وتوحيد دعوة جميع الأنبياء إلى الحق ، والتسليم دون قيد أو شرط لأمر الله ؛ والمجادلة بالتي هي أحسن!.
قال بعض المفسّرين : إنّ المراد من جملة (وَكَذلِكَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ) هو تشبيه نزول القرآن على النّبي محمّد صلىاللهعليهوآله أي كما أنزلنا كتبا من السماء على الأنبياء الماضين ، فكذلك أنزلنا إليك الكتاب!.
إلّا أنّ التّفسير السابق يبدو أكثر دقّة ، وإن كان الجمع بين التّفسيرين ممكنا أيضا.
ثمّ يضيف القرآن الكريم : (فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ) ويعتقدون بصدقه .. إذ أنّهم وجدوا علائمه في كتبهم ، كما أن محتواه من حيث الأصول العامّة والكلية منسجم مع كتبهم!.
ومن المعلوم أن جميع أهل الكتاب (اليهود والنصارى) لم يؤمنوا بنبوّة
__________________
(١) تفسير نور الثقلين ، ج ٤ ، ص ١٦٣.