محمّد صلىاللهعليهوآله «نبي الإسلام» فتكون هذه الجملة في خصوص تلك الجماعة المؤمنة منهم ، والتي تبتغي الحق دون تعصب ، فتكون جديرة أن يطلق عليها «أهل الكتاب».
ويضيف القرآن بعدئذ : (وَمِنْ هؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ) (١) أي أهل مكّة والمشركون العرب.
ثمّ يقول القرآن في كفر الطائفتين من اليهود والنصارى (وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الْكافِرُونَ).
ومع الالتفات إلى أنّ مفهوم الجحود ، هو أن يعتقد الإنسان بشيء بقلبه وينكره بلسانه ، فإنّ مفهوم الجملة المتقدمة أن الكفار يعترفون في قلوبهم بعظمة هذه الآيات ، ويرون علامات الصدق عليها ، ومنهج النّبي وطريقته وحياته النقية ، وأن أتباعه هم المخلصون ، ويعدّون كل ذلك دليلا على أصالته ، إلّا أنّهم ينكرون ذلك عنادا وتعصبا ، وتقليدا أعمى لأسلافهم ولآبائهم ، ولحفظ منافعهم الشخصية.
وعلى هذا فإنّ القرآن يحدد مواقف الأمم المختلفة إزاء هذا الكتاب ويصنفهم إلى قسمين :
فقسم هم أهل الإيمان ، سواء من علماء اليهود والنصارى ، أو المؤمنين بصدق ، أو المشركين العطاشى إلى الحقّ الذين عرفوا الحق فتعلقت قلوبهم به.
وقسم آخر هم المنكرون المعاندون ، الذين رأوا الحق إلّا أنّهم أنكروه وأخفوا أنفسهم عنه كالخفاش ، لأنّ ظلمة الكفر كانت جزءا من نسيج وجودهم ، فهم يستوحشون من نور الإيمان.
__________________
(١) قال بعض المفسّرين : إنّ جملة «الذين آتيناهم الكتاب» إشارة إلى المسلمين ، وجملة «مِنْ هؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ» إشارة إلى أهل الكتاب ، إلّا أنّ هذا التّفسر بعيد ـ كما يبدو ـ جدّا لأنّ التعبير بـ (فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) وما شابهه لم يأت في القرآن ـ بحسب الظاهر ـ إلّا في خصوص اليهود والنصارى.