تَعْلَمُونَ).
وتقديم العلم على الإيمان هو لأنّ العلم أساس الإيمان.
والتعبير (فِي كِتابِ اللهِ) لعله إشارة إلى الكتاب التكويني ، أو إلى الكتاب السماوي ، أو إشارة إليهما معا ، أي كان ـ بأمر الله التكويني والتشريعي ـ مقدّرا أن تلبثوا مثل هذه المدّة في البرزخ ، ثمّ تحشرون في يوم القيامة (١).
وفي أن المقصود بـ (الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ) من هم؟!
قال بعض المفسّرين : هي إشارة إلى ملائكة الله الذين لهم علم وهم مؤمنون أيضا.
وقال بعضهم : المقصود هم المؤمنين العالمون ، والمعنى الثّاني أظهر طبعا.
وما ورد في بعض الرّوايات من تفسير هذه الآية بالأئمّة الطاهرين ، فهو من قبيل المصداق الواضح لها ، ولا يحدد معناها الوسيع.
وهذه اللطيفة جديرة بالالتفات ، وهي أن بعض المفسّرين قالوا : إنّ ما قاله المجرمون مقسمين بأنّهم ما لبثوا غير ساعة ، وما ردّه عليهم الذين أوتوا العلم والإيمان بأنّهم لبثوا إلى يوم البعث ، هذه المحاورة والكلام منشؤهما أنّ الطائفة الأولى ـ لأنّهم كانوا يتوقعون العذاب ـ كانوا يرغبون في تأخيره ، وكانت الفاصلة وإن طالت بالنسبة لهم قصيرة جدّا عندهم.
أمّا الطائفة الثّانية فلأنّهم كانوا ينتظرون الجنّة ونعمها الخالدة وراغبين في تقديمها ، فكانوا يرون الفاصلة طويلة جدّا (٢).
وعلى كل حال ، فحين يواجه المجرمون واقعهم المرير المؤلم يظهرون
__________________
(١) في كون الآية ، هل فيها تقديم وتأخير ، أم لا؟ هناك كلام ونقاش بين المفسّرين والعلماء ، فقال بعضهم «في كتاب الله» متعلق بجملة «أوتوا العلم والإيمان» فيكون معنى الآية هكذا : الذين أوتوا العلم في كتاب الله ويؤمنون به قالوا مثل هذا الكلام ، وقال بعضهم «في كتاب الله» متعلق بجملة «لبثتم» ونحن اخترنا هذا الرأي أيضا في شرحنا للآية ، لأنّ الحكم بالتقديم والتأخير يحتاج إلى قرينة واضحة ولا نجد هنا قرينة على ذلك!.
(٢) تفسير الفخر الرازي ذيل الآيات محل البحث.