ندمهم ويتوبون ويعتذرون ممّا صنعوا ، لكن القرآن يقول في هذا الصدد : (فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) (١)
وتجدر الإشارة إلى هذه المسألة ، وهي أن في بعض آيات القرآن تصريحا بعدم الإذن للمجرمين أن يعتذروا (وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ) (٢)
غير أنّ الآية محل البحث تقول : لا ينفعهم الاعتذار هناك ، وظاهرها أنّهم يعتذرون ، إلّا أنّه لا أثر لاعتذارهم.
وبالطبع فإنّه لا تضاد بين هذه الآيات ، لأنّ يوم القيامة فيه مراحل مختلفة ، وفي بعض المراحل لا يؤذن للمجرمين بالاعتذار أبدا ويختم على أفواههم ... وإنّما تتحدث الجوارح بما أساءت فحسب ... وفي بعض المراحل تنطلق ألسنتهم بالاعتذار ، إلّا أنّه ... لا ينفعهم الاعتذار أبدا ...؟!
وواحد من أعذارهم أنّهم يلقون تبعات ذنوبهم على أشياخهم في الكفر والنفاق ، فيقولون لهم : (لَوْ لا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ) (٣) ، إلّا أن أولئك يردون عليهم بالقول : (أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ) (٤)
وأحيانا يلقون اللوم على الشيطان في تضليلهم وانحرافهم وأنّه وسوس لهم ، إلّا أن الشيطان يجيبهم (فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ) (٥) ، أي لم أكرهكم على الكفر ، إلّا أنّكم استجبتم لي برغبتكم.
وفي الآية التالية إشارة لجميع المواضيع الوارد بيانها في هذه السورة ... إذ تقول : (وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) لقد ذكرنا فيه الوعد
__________________
(١) كلمة «يستعتبون» مشتقة من «عتب» على وزن «حتم» ومعناها في الأصل الاضطراب النفسي «الداخلي» وحين يصاغ هذا الفعل من باب الإفعال فيكون معناه ازالة هذا الأثر والاضطراب ، كما جاء في لسان العرب أن الاستفعال يؤدي معنى الإفعال هنا ، لذلك يقال في شأن الاسترضاء معناه طلب الرضا والتوبة ، ومعنى الكلمة هنا في الآية هو بمثل ما ذكرناه ، ومعنى ذلك أنّ المجرمين في يوم القيامة ليس لهم القدرة على التوبة.
(٢) المرسلات ، الآية ٣٦.
(٣) سبأ ، الآية ٣١.
(٤) سبأ ، الآية ٣٢.
(٥) إبراهيم ، الآية ٢٢.