أصلها ، وأن يكون القصاص قد كان سببا في كونها في كافة الأوقات. وذلك خلاف المعنى وغير ما هو المقصود.
ويبيّن ذلك أنّك تقول : «لك في هذا غنى» ، فتنكّر إذا أردت أن تجعل ذلك من بعض ما يستغني به ، فإن قلت : «لك فيه الغنى» ، كان الظاهر أنك جعلت كلّ غناه به.
وأمر آخر ، وهو أنه لا يكون ارتداع حتى يكون همّ وإرادة ، وليس بواجب أن لا يكون إنسان في الدنيا إلّا وله عدوّ يهمّ بقتله ثم يردعه خوف القصاص. وإذا لم يجب ذلك ، فمن لم يهمّ إنسان بقتله ، فكفي ذلك الهمّ لخوف القصاص ، فليس هو ممّن حيّ بالقصاص. وإذا دخل الخصوص ، فقد وجب أن يقال «حياة» ولا يقال «الحياة» ، كما وجب أن يقال «شفاء» ولا يقال «الشّفاء» في قوله تعالى : (يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ) [النحل : ٦٩] ، حيث لم يكن شفاء للجميع.
واعلم أنه لا يتصوّر أن يكون الذي همّ بالقتل فلم يقتل خوف القصاص داخلا في الجملة ، وأن يكون القصاص أفاده حياة كما أفاد المقصود قتله. وذلك أنّ هذه الحياة إنّما هي لمن كان يقتل لو لا القصاص ، وذلك محال في صفة القاصد للقتل ، فإنما يصحّ في وصفه ما هو كالضّدّ لهذا ، وهو أن يقال : إنه كان لا يخاف عليه القتل لو لا القصاص. وإذا كان هذا كذلك ، كان وجها ثالثا في وجوب التنكير.
فصل
واعلم أنّه لا يصادف القول في هذا الباب موقعا من السامع ، ولا يجد لديه قبولا ، حتى يكون من أهل الذّوق والمعرفة ، وحتى يكون ممن تحدّثه نفسه بأنّ لما يومئ إليه من الحسن واللّطف أصلا ، وحتى يختلف الحال عليه عند تأمّل الكلام ، فيجد الأريحيّة تارة ، ويعرى منها أخرى ، وحتّى إذا عجّبته عجب ، وإذا نبّهته لموضع المزية انتبه.
فأمّا من كان الحالان والوجهان عنده أبدا على سواء ، وكان لا يتفقّد من أمر «النّظم» إلا الصّحة المطلقة ، وإلّا إعرابا ظاهرا ، فما أقلّ ما يجدي الكلام معه. فليكن من هذه صفته عندك بمنزلة من عدم الإحساس بوزن الشعر ، والذّوق الذي يقيمه به ، والطّبع الذي يميّز صحيحه من مكسوره ، ومزاحفه من سالمه ، وما خرج من البحر ممّا لم يخرج منه في أنّك لا تتصدّى له ، ولا تتكلّف تعريفه ، لعلمك أنّه قد عدم الأداة