وكما يقال : «جاد حتى كأن لم يعرف لأحد جود ، وحتّى كأن قد كذب الواصفون الغيث بالجود» ، كما قال : [من البسيط]
أعطيت حتّى تركت الرّيح حاسرة |
|
وجدت حتّى كأنّ الغيث لم يجد (١) |
هذا فصل
في «الذي» خصوصا
اعلم أن لك في «الذي» علما كثيرا ، وأسرارا جمّة ، وخفايا إذا بحثت عنها وتصوّرتها اطلعت على فوائد تؤنس النفس وتثلج الصدر بما يفضي بك إليه من اليقين ، ويؤدّيه إليك من حسن التبيين.
والوجه في ذلك أن تتأمّل عبارات لهم فيه لم وضع ، ولأيّ غرض اجتلب ، وأشياء وصفوه بها. فمن ذلك قولهم : «إنّ الذي» اجتلب ليكون وصلة إلى وصف المعارف بالجمل (٢) ، كما اجتلب «ذو» ليتوصّل به إلى الوصف بأسماء الأجناس» ، يعنون بذلك أنك تقول : «مررت بزيد الذي أبوه منطلق» و «بالرجل الذي كان عندنا أمس» ، فتجدك قد توصّلت ب «الذي» إلى أن أبنت زيدا من غيره ، بالجملة التي هي «أبوه منطلق» ولو لا «الذي» لم تصل إلى ذلك كما أنك تقول : «مررت برجل ذي مال» فتتوصّل ب «ذي» إلى أن تبين الرجل من غيره بالمال ، ولو لا «ذو» لم يتأتّ لك ذلك ، إذ لا تستطيع أن تقول : «برجل مال»
فهذه جملة مفهومة؟ إلا أن تحتها خبايا تحتاج إلى الكشف عنها. فمن ذلك أن تعلم من أين امتنع أن توصف المعرفة بالجملة ، ولم لم يكن حالها في ذلك حال النّكرة التي تصفها بها في قولك : «مررت برجل أبوه منطلق» : و «رأيت إنسانا تقاد الجنائب (٣) بين يديه».
وقالوا : إنّ السبب في امتناع ذلك : أنّ الجمل نكرات كلّها ، بدلالة أنها
__________________
(١) البيت : للبحتري في مدح محمد بن حميد بن عبد الحميد الطوسي (الديوان ٢ / ٤٢٥). حاسرة : حسر البصر : كلّ وانقطع من طول المدى القاموس «حسر» (٤٧٩).
(٢) ذكره ابن منظور في اللسان مادة «لذا» (١٥ / ٢٤٥).
(٣) الجنائب : رجل جنيب كأنه يمشي في جانب والجنيبة الدابة : القاموس «جنب» (٨٨).