وإذا قلت : «ما زيدا ضربت» ، فقدمت المفعول ، كان المعنى على أنّ ضربا وقع منك على إنسان ، وظنّ أن ذلك الإنسان زيد ، فنفيت أن يكون إياه.
فلك أن تقول في الوجه الأول : «ما ضربت زيدا ولا أحدا من الناس» ، وليس لك ذلك في الوجه الثاني. فلو قلت : «ما زيدا ضربت ولا أحدا من الناس» ، كان فاسدا على ما مضى في الفاعل.
ومما ينبغي أن تعلمه ، أنه يصحّ لك أن تقول : «ما ضربت زيدا ، ولكني أكرمته» ، فتعقب الفعل المنفيّ بإثبات فعل هو ضدّه ، ولا يصحّ أن تقول : «ما زيدا ضربت ، ولكني أكرمته» ، وذاك أنّك لو ترد أن تقول : لم يكن الفعل هذا ولكن ذاك ، ولكنك أردت أنه لم يكن المفعول هذا ، ولكن ذاك. فالواجب إذن أن تقول : «ما زيدا ضربت ولكن عمرا».
وحكم الجارّ مع المجرور في جميع ما ذكرنا حكم المنصوب ، فإذا قلت : «ما أمرتك بهذا» ، كان المعنى على نفي أن تكون قد أمرته بذلك ، ولم يجب أن تكون قد أمرته بشيء آخر ، وإذا قلت : «ما بهذا أمرتك» ، كنت قد أمرته بشيء غيره.
فصل
ـ واعلم أنّ الذي بان لك في «الاستفهام» و «النفي» من المعنى في التقديم ، قائم مثله في «الخبر المثبت».
فإذا عمدت إلى الذي أردت أن تحدّث عنه بفعل فقدّمت ذكره ، ثم بنيت الفعل عليه فقلت : «زيد قد فعل» و «أنا فعلت» ، و «أنت فعلت» ، : اقتضى ذلك أن يكون القصد إلى الفاعل ، إلا أنّ المعنى في هذا القصد ينقسم قسمين :
أحدهما : جليّ لا يشكل : وهو أن يكون الفعل فعلا قد أردت أن تنصّ فيه على واحد فتجعله له ، وتزعم أنه فاعله دون واحد آخر ، أو دون كل أحد. ومثال ذلك أن تقول : «أنا كتبت في معنى فلان (١) ، وأنا شفعت في بابه» ، تريد أن تدّعي الانفراد بذلك والاستبداد به ، وتزيل الاشتباه فيه ، وتردّ على من زعم أن ذلك كان من غيرك ، أو أن غيرك قد كتب فيه كما كتبت. ومن البيّن في ذلك قولهم في المثل : «أتعلّمني بضبّ أنا حرشته» (٢).
__________________
(١) باب فلان : الباب والبابة : الغاية. القاموس / بوب / (٧٧).
(٢) ذكره الميداني في مجمع الأمثال (١ / ١٧٣). بلفظ «تعلمني بضب أنا حرشته». وحرش الضب : (صيده) يضرب لمن يخبرك بشيء أنت به منه أعلم. ورد أيضا في اللسان / حرش / (٦ / ٢٨٠).