وصادفت لذلك أريحيّة ، فانظر لتعرف كما عرفت ، وراجع نفسك ، واسبر وذق ، لتجد مثل الذي وجدت» ، فإن عرف فذاك ، وإلا فبينكما التّناكر ، تنسبه إلى سوء التأمّل ، وينسبك إلى فساد في التخيّل.
وإنه على الجملة بحث ينتقي لك من علم الإعراب خالصه ولبّه ، ويأخذ لك منه أناسي العيون وحبّات القلوب ، وما لا يدفع الفضل فيه دافع ، ولا ينكر رجحانه في موازين العقول منكر.
وليس يتأتّى لي أن أعلمك من أوّل الأمر في ذلك آخره ، وأن أسمّي لك الفصول التي في نيتي أن أحرّرها بمشيئة الله عزوجل ، حتى تكون على علم بها قبل موردها عليك. فاعمل على أنّ هاهنا فصولا يجيء بعضها في إثر بعض وهذا أوّلها.
فصل
في تحقيق القول على «البلاغة» و «الفصاحة» ، و «البيان» و «البراعة» ، وكلّ ما شاكل ذلك ، ممّا يعبّر به عن فضل بعض القائلين على بعض ، من حيث نطقوا وتكلّموا ، وأخبروا السامعين عن الأغراض والمقاصد ، وراموا أن يعلموهم ما في نفوسهم ؛ ويكشفوا لهم عن ضمائر قلوبهم.
ومن المعلوم أن لا معنى لهذه العبارات وسائر ما يجري مجراها ، مما يفرد فيه اللّفظ بالنعت والصّفة ، وينسب فيه الفضل والمزيّة إليه دون المعنى ، غير وصف الكلام بحسن الدّلالة وتمامها فيما له كانت دلالة ، ثم تبرّجها في صورة هي أبهى وأزين وآنق وأعجب وأحقّ بأن تستولي على هوى النفس ، وتنال الحظّ الأوفر من ميل القلوب ، وأولى بأن تطلق لسان الحامد ، وتطيل رغم الحاسد ولا جهة لاستعمال هذه الخصال غير أن تأتي المعنى من الجهة التي هي أصحّ لتأديته ، وتختار له اللفظ الذي هو أخصّ به ، وأكشف عنه وأتمّ له ، وأحرى بأن يكسبه نبلا ، ويظهر فيه مزيّة.
وإذا كان هذا كذلك ، فينبغي أن ينظر إلى الكلمة قبل دخولها في التأليف ، ـ وقبل أن تصير إلى الصورة التي بها يكون الكلم إخبارا وأمرا ونهيا واستخبارا وتعجبا ، وتؤدّي في الجملة معنى من المعاني التي لا سبيل إلى إفادتها إلا بضمّ كلمة إلى كلمة ، وبناء لفظة على لفظة ـ هل (١) يتصور أن يكون بين اللفظتين تفاضل في
__________________
(١) سياق الكلام كما يلي : ينبغي أن ينظر إلى الكلمة قبل ... هل يتصور.