بسم الله الرّحمن الرّحيم
حسبي ربّي
الحمد لله ربّ العالمين حمد الشاكرين ، نحمده على عظيم نعمائه ، وجميل بلائه ، ونستكفيه نوائب الزمان ، ونوازل الحدثان (١) ، ونرغب إليه في التوفيق والعصمة ، ونبرأ إليه من الحول والقوّة ونسأله يقينا يملأ الصّدر ، ويعمر القلب ، ويستولي على النفس ، حتّى يكفّها إذا نزغت (٢) ، ويردّها إذا تطلّعت ، وثقة بأنه عزوجل الوزر (٣) ، والكالئ والراعي والحافظ ، وأنّ الخير والشّرّ بيده ، وأن النّعم كلّها من عنده ، وأن لا سلطان لأحد مع سلطانه ، نوجّه رغباتنا إليه ، ونخلص نيّاتنا في التوكّل عليه ، وأن يجعلنا ممن همه الصدق ، وبغيته الحقّ ، وغرضه الصواب ، وما تصحّحه العقول وتقبله الألباب ، ونعوذ به من أن ندّعي العلم بشيء لا نعلمه ، وأن نسدّي (٤) قولا لا نلحمه ، وأن نكون ممّن يغرّه الكاذب من الثناء ، وينخدع للمتجوّز في الإطراء ، وأن يكون سبيلنا سبيل من يعجبه أن يجادل بالباطل ، ويموّه على السامع ، ولا يبالي إذا راج عنه القول أن يكون قد خلّط فيه ، ولم يسدّد في معانيه ، ونستأنف الرغبة إليه عزوجل في الصلاة على خير خلقه ، والمصطفى من بريّته ، محمد سيد المرسلين ، وعلى أصحابه الخلفاء الراشدين ، وعلى آله الأخيار من بعدهم أجمعين.
وبعد فإنّا إذا تصفّحنا الفضائل لنعرف منازلها في الشّرف ، ونتبيّن مواقعها من العظم ؛ ونعلم أيّ أحقّ منها بالتّقديم ، وأسبق في استيجاب التعظيم ، وجدنا العلم أولاها بذلك ، وأوّلها هنالك ؛ إذ لا شرف إلّا وهو السبيل إليه ، ولا خير إلّا وهو الدّليل عليه ، ولا منقبة (٥) إلّا وهو ذروتها وسنامها ، ولا مفخرة إلّا وبه صحّتها وتمامها. ولا
__________________
(١) حدثان الدهر وحوادثه نوبه وما يحدث منه. اه اللسان مادة / حدث / (٢ / ١٣٢) والحدثان : الليل والنهار.
(٢) نزغ الشيطان بينهم ينزغ نزغا أي أفسد وأغرى. اه الصحاح مادة / نزغ / (٢ / ٥٥٦).
(٣) الوزر بفتحتين الملجأ. اه مختار الصحاح مادة / وزر / (٧١٨).
(٤) وهي خلاف لحمة الثوب وهو ما يمد طولا في النسج. اه اللسان مادة / سدى / (١٤ / ٣٧٥).
(٥) المنقبة الفعل الكريم وهي ضد المثلبة. اه اللسان مادة / نقب / (١ / ٧٦٨) بتصرف.