عليك باليأس من النّاس |
|
إنّ غنى نفسك في الياس (١) |
فقد ترى حسن موقعها ، وكيف قبول النفس لها ، وليس ذلك إلّا لأن الغالب على الناس أنهم لا يحملون أنفسهم على اليأس ، ولا يدعون الرّجاء والطّمع ، ولا يعترف كل أحد ولا يسلّم أن الغنى في اليأس. فلما كان كذلك ، كان الموضع موضع فقر إلى التأكيد ، فلذلك كان من حسنها ما ترى.
ـ ومثله سواء قول محمد بن وهيب : [من الطويل]
أجارتنا إنّ التّعفّف بالياس |
|
وصبرا على استدرار دنيا بإبساس |
حريّان أن لا يقذفا بمذلّة |
|
كريما ، وأن لا يحوجاه إلى النّاس |
أجارتنا إنّ القداح كواذب |
|
وأكثر أسباب النّجاح مع الياس (٢) |
هو : كما لا يخفى ، كلام مع من لا يرى أن الأمر كما قال ، بل ينكره ويعتقد خلافه. ومعلوم أنه لم يقله إلا والمرأة تحدوه وتبعثه على التعرّض للناس ، وعلى الطّلب.
ومن طيف مواقعها أن يدّعى على الخاطب ظنّ لم يظنّه ، ولكن يراد التهكم به ، وأن يقال : «إن حالك والذي صنعت يقتضي أن تكون قد ظننت ذلك». ومثال ذلك قول الأوّل : [من السريع]
جاء شقيق عارضا رمحه ، |
|
إنّ بني عمّك فيهم رماح (٣) |
يقول : إن مجيئه هكذا مدلّا بنفسه وبشجاعته قد وضع رمحه عرضا ، دليل على إعجاب شديد ، وعلى اعتقاد منه أنه لا يقوم له أحد ، حتى كأن ليس مع أحد منّا رمح يدفعه به ، وكأنّا كلّنا عزل.
وإذا كان كذلك ، وجب إذا قيل إنها جواب سائل ، أن يشترط فيه أن يكون
__________________
(١) البيت في ديوانه (١٤٤) ط ، دار العرب للبستاني ، وهو في الباب الرابع (باب العتاب) ، ورواية الديوان :
ألا ليت شعري هكذا أنت للناس |
|
فأقدع عنك القلب يا صاح بالياس |
(٢) الأبيات في الأغاني (١٩ / ٨٢ ، ٨٣) ، لمحمد بن وهيب (ط) دار الكتب العلمية ، بيروت. من قصيدة عددها (٧٢) بيتا ، استحسنها الحسن بن رجاء بن أبي الضحاك ، وأمر له باثنين وسبعين ألف درهم.
(٣) البيت لحجل بن نضلة الباهلي ، وهو شاهر جاهلي ، وهو في الإيضاح (٢٢٤) ، والمفتاح (٢٦٣) ، والمصباح لبدر الدين بن مالك (٦) ، والبيت الذي يليه :
هل أحدث الدهر لنازلة |
|
أم هل رنت أم شقيق سلام. |