لو خيّر المنبر فرسانه |
|
ما اختار إلا منكم فارسا (١) |
الاختصاص في «منكم» دون «فارسا» ولو قلت : «ما اختار إلّا فارسا منكم» ، صار الاختصاص في «فارسا».
واعلم أنّ الأمر في المبتدأ والخبر ، إن كانا بعد «إنّما» على العبرة التي ذكرت لك في الفاعل والمفعول ، إذا أنت قدّمت أحدهما على الآخر.
معين ذلك : أنك إن تركت الخبر في موضعه فلم تقدّمه على المبتدأ ، كان الاختصاص فيه وإن قدّمته على المبتدأ ، صار الاختصاص الذي كان فيه في المبتدأ.
تفسير هذا ، وأنّك تقول : «إنّما هذا لك» ، فيكون الاختصاص في «لك» بدلالة أنك تقول : «إنّما هذا لك لا لغيرك» وتقول : «إنما لك هذا» ، فيكون الاختصاص في «هذا» ، بدلالة أنك تقول : «إنّما لك هذا لا ذاك» ، والاختصاص يكون أبدا في الذي إذا جئت «بلا» العاطفة كان العطف عليه.
وإن أردت أن يزداد ذلك عندك وضوحا ، فانظر إلى قوله تعالى : (فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ) [الرعد : ٤٠] ، وقوله عزّ وعلا : (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ) [التوبة : ٩٣] ، فإنك ترى الأمر ظاهرا أن الاختصاص في الآية الأولى في المبتدأ الذي هو «البلاغ» و «الحساب» ، دون الخبر الذي هو «عليك» و «علينا» وأنه في الآية الثانية في الخبر الذي هو «على الذين» ، دون المبتدأ الذي هو «السّبيل».
واعلم أنه إذا كان الكلام «بما» و «إلا» كان الذي ذكرته من أنّ الاختصاص يكون في الخبر إن لم تقدّمه ، وفي المبتدأ إن قدّمت الخبر أوضح وأبين ، تقول (٢) : «ما زيد إلا قائم» ، فيكون المعنى أنك اختصصت «القيام» من بين الأوصاف التي يتوهّم كون زيد عليها بجعله صفة له. وتقول : «ما قائم إلّا زيد» ، فيكون المعنى أنك اختصصت زيدا بكونه موصوفا بالقيام. فقد قصرت في الأول الصفة على الموصوف ، وفي الثاني الموصوف على الصفة.
واعلم أن قولنا في الخبر إذا أخّر نحو : «ما زيد إلّا قائم» ، أنك اختصصت القيام من بين الأوصاف التي يتوهّم كون زيد عليها ، ونفيت ما عدا القيام عنه ، فإنما نعني
__________________
(١) البيت أورده القزويني في الإيضاح (١٣٢) ، والسكاكي في المفتاح (٤١٠) ، ومحمد بن علي الجرجاني في الإشارات (٩٧) ، وعزاه للحميري.
(٢) كان الذي ذكرته ... أوضح وأبين» هكذا السياق.