حركاته ، ومن ترتيب بينها وبين سكناته؟ أم لفواصل في أواخر آياته؟ من أين تليق هذه الصّفة وهذا التشبيه بذلك؟.
أم ترى أنّ ابن مسعود حين قال في صفة القرآن : «لا يتفه ولا يتشانّ» (١) ، وقال : «إذا وقعت في آل حم ، وقعت في روضات دمثات أتأنّق فيهنّ» (٢) ، أي أتتبّع محاسنهن ، قال ذلك من أجل أوزان الكلمات ، ومن أجل الفواصل في أواخر الآيات؟.
أم ترى أنهم لذلك قالوا : «لا تفنى عجائبه ، ولا يخلق على كثرة الرّدّ».
أم ترى الجاحظ حين قال في كتاب النبوة : «ولو أنّ رجلا قرأ على رجل من خطبائهم وبلغائهم سورة واحدة ، لتبيّن له في نظامها ومخرجها ، من لفظها وطابعها أنه عاجز عن مثلها ، لو تحدّي بها أبلغ العرب لأظهر عجزه عنها» ، لغا ولغط فليس كلامه (٣) هذا مما ذهبوا إليه في شيء.
وينبغي أن تكون موازنتهم بين بعض الآي وبين ما قاله الناس في معناها ، كموازنتهم بين : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) [البقرة : ١٧٩] ، وبين : «قتل البعض إحياء للجميع» ، خطأ منهم ، لأنا لا نعلم لحديث التّحريك والتّسكين وحديث الفاصلة مذهبا في هذه الموازنة ، ولا نعلمهم أرادوا غير ما يريده الناس إذا وازنوا بين كلام وكلام في الفصاحة والبلاغة ودقّة النّظم وزيادة الفائدة ، ولو لا أنّ الشيطان قد استحوذ على كثير من الناس في هذا الشأن ، وأنّهم بترك النّظر ، وإهمال التدبّر وضعف النّية ، وقصر الهمّة ، قد طرّقوا له حتى جعل يلقي في نفوسهم كلّ محال وكلّ باطل ، وجعلوا هم يعطون الذي يلقيه حظّا من قبولهم ، ويبوّءونه مكانا من قلوبهم ، لما بلغ من قدر هذه الأقوال الفاسدة أن تدخل في تصنيف ، ويعاد ويبدأ في تبيين لوجه الفساد فيها وتعريف.
ثمّ إن هذه الشّناعات التي تقدّم ذكرها ، تلزم أصحاب «الصّرفة» (٤) أيضا ، وذاك
__________________
(١) يتشان : الخبر بهذا اللفظ في غريب الحديث لابن الأثير وهو في مسند أحمد بن حنبل رقم (٣٨٤٥). «إن هذا القرآن لا يختلف ولا يستشنّ ولا يتفه لكثرة الرد» ولا يتشان : لا يبلى.
(٢) خبر عبد الله بن مسعود هذا موجود في تفسير ابن كثير في أول سورة غافر (٤ / ٧٥) بدون إسناد ، دمثات : جمع دمثة : وهي المحقبة اللينة السهلة المعشبة. لغا ولغط : أتى بكلام لا يعتد به وأصوات مبهمة لا يفهم معناها.
(٣) كلامه : الضمير هنا يعود على الجاحظ.
(٤) أصحاب الصرفة أصحاب الضلال.