الصَّالِحِينَ) [الأعراف : ١٩٦] ، وقوله تعالى : (وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) [الفرقان : ٥] ، وقوله تعالى : (وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ) [النمل : ١٧] ، فإنه لا يخفى على من له ذوق أنه لو جيء في ذلك بالفعل غير مبنيّ على الاسم فقيل : «إن وليّي الله الذي نزل الكتاب ويتولّى الصالحين» ، و «اكتتبها فتملى عليه» ، و «حشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فيوزعون» ، لوجد اللفظ قد نبا عن المعنى ، والمعنى قد زال عن صورته والحال التي ينبغي أن يكون عليها.
واعلم أنّ هذا الصنيع يقتضي في الفعل المنفيّ ما اقتضاه في المثبت ، فإذا قلت : «أنت لا تحسن هذا» ، كان أشدّ لنفي إحسان ذلك عنه من أن تقول : «لا تحسن هذا ، ويكون الكلام في الأول مع من هو أشدّ إعجابا بنفسه ، وأعرض دعوى في أنه يحسن حتى إنّك لو أتيت ب «أنت» فيما بعد «تحسن» فقلت : «لا تحسن أنت» ، لم يكن له تلك القوة.
وكذلك قوله تعالى : (وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ) [المؤمنون : ٥٩] ، يفيد من التأكيد في نفي الاشتراك عنهم ، ما لو قيل : «والذين لا يشركون بربهم ، أو : بربهم لا يشركون» لم يفد ذلك. وكذا قوله تعالى : (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) [يس : ٧] ، وقوله تعالى : (فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ) [القصص : ٦٦] ، و (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) [الأنفال : ٥٥].
ومما يرى تقديم الاسم فيه كاللازم : «مثل» ، و «غير» ، في نحو قوله : [من السريع]
مثلك يثني الحزن عن صوبه |
|
ويستردّ الدّمع عن غربه (١) |
وقول الناس : «مثلك رعى الحقّ والحرمة» ، وكقول الذي قال له الحجاج :
__________________
(١) البيت للمتنبي في ديوانه (٢ / ٣٢٧) من قصيدة قالها في رثاء عمة عضد الدولة ببغداد ، ورواية الديوان : «يثني الحزن» وهي الأصح ، إذ قوله : «يثني المزن» لا يناسب مقام الرثاء. والبيت في شرح التبيان للعكبري : (١ / ١٥٣) ، والإيضاح (٧٠) ، والإشارات والتنبيهات (٥٠) ، ونهاية الإيجاز (٣١١). والغروب : مجاري الدمع ، للعين غربان مقدمها ومؤخرها. قال الأصمعي : يقال بعينه غرب إذا كان يسيل ولا ينقطع دموعها والغروب الدمع. والصوب : القصد والإصابة والصوت. المعنى : يريد أنك تقدر على دفع الحزن عن قصده وتغلبه بالصبر وترد الدمع إلى قراره ومجراه بأن تصرفه عن المجرى ، وكيف لا تفعل هذا وأنت لا شبه لك.