العقل هو الآخر صورة باطنية للقرآن ، وإذ يثير الوحي الالهي عقل البشر فان هذا العقل يؤيد حقيقة القرآن ، للتطابق التام بين الذي يذكره القرآن وبين العقل البشري ، ولذلك تتكرر في الآيات كلمة : (لا رَيْبَ فِيهِ).
ثم يستمر السياق في الحديث عن القرآن نفسه ، مؤكدا بأنه لا يمكن أن يكون افتراء كما يتقوّل البعض ، لان هدف القرآن هو إنذار الناس وهدايتهم للحق ، ولا يمكن أن يتحقق الهدى بالكذب ، كما أن القرآن ليس مجردا عن الادلة والبراهين حتى يكون موضعا للريب والشك ، ومن أنصع الادلة أن الكاذب انما يكذب لمصلحة نفسه ، ونحن لا نرى من جاء بالقرآن وهو الرسول (ص) يدعو الى نفسه أبدا بل الى ربّهم ، وهذا دليل على صدق الرسل ، بل والدعوات الاجتماعية التي تأخذ هذا المنحى وتتبع منهج الرسل ، والتي تتمحور حول العقل وعبادة الله فهي الصادقة ، وأنصارها هم الصادقون ، أما الدعوات التي تنتهي الى الأشخاص لا الى القيم ، وتعتمد غير الله هدفا وغاية فهي خاطئة ، وأنصارها كاذبون.
والأنبياء من أول نظرة إليهم يعرفون بأنهم انما جاؤوا من عند الله ، فالرجل الذي يلبس الخشن ، ويأكل الجشب ، ولا يجمع من حطام الدنيا شيئا ، ولا يدعو الناس الى نفسه ، ويتحمل كل الأذى من أجل خير الناس ليس أنانيا ، انما يضحي لإيمانه فهو صادق لا ريب فيه.
ثم يذكرنا القرآن بخلق السماوات الذي تم في ستة أيام ، مثنّيا بخلقة الإنسان التي تمت على مرحلتين : الاولى : خلقه من الطين ، والثانية : خلقه في الأرحام ، وهذا قد يشير الى عالم الذر حيث خلق الإنسان مرة واحدة على صورة ذر (موجودات صغيرة) ثم وضعت في أصلاب الرجال ، وخلق مرة أخرى عبر النكاح ، ونمى في بطن أمه ، ثم يشير الى نفخ الروح فيه وهذا خلق آخر بعد ذلك الخلق ، ويوصل