وقصص هذه الحضارات الأربع تنطوي على كثير من الدروس والعبر التي تنفع البشرية في مسيرتها الحضارية الصاعدة ، والبشرية أحوج ما تكون وهي تنشد الرقي ان تدرس تجارب الحضارات الأخرى ، وبالذات الماضية منها ، لأنها مرّت بدورة حضاريّة كاملة.
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ)
انها ليست قصصا للتسلية واللهو ، بل تحمل مشاهدها الدروس والعبر ، وحتى يستوعب الإنسان الفرد أو الامة ذلك عقليا وأهم منه عمليا لا بد ان تتوفر فيه صفات معينة : أبرزها الصبر الدائم ، والشكر الكثير ، لأن الصبر آية سكينة النفس ، وحصافة العقل ، وبعد النظر ، ومعرفة عواقب الأمور ، وكل تلك الصفات ضرورية لوعي الحقائق ، ومعرفة غيب الاحداث ، وما ورائيات الظواهر التاريخية.
أما الشكر فانه دليل العلم ، فالجاهل لا يرى أسبابا للنعم ، ولا يفهم ان لكل ظاهرة حادثة عوامل ، أوجدت بها ، وتستمر معها ، وبالتالي لا يبلغ الى معرفة من أنعم عليه فلا يشكره ، هكذا تتصل صفة الشكر والصبر بعالم المعرفة ، وهكذا تزيد المعرفة بالشكر والصبر.
هذا من جهة ، ومن جهة أخرى : ان عبرة هذه القصص هي الشكر والصبر.
فالقصص الأربع من حضارتي داود وسليمان ، وحضارتي سبأ والقرى التي امتدت منها الى مكة المكرمة ، تلهمنا درس الصبر والشكر ، فسليمان وداود (ع) انما تقدمت حضارتهما ، واستقامت الى أجلها الطبيعي حينما صبرا وجدّا في تأسيسها ، وشكرا الله حفاظا لها من الزوال ، اما الحضارتان الأخريان فدمرتا بنهاية غير طبيعية ، لانعدام صفتي الصبر الذي يعبر عن الجد والاستقامة ، والشكر الذي يجسد