(بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَ)
فالعبادة هي الطاعة ، وبالطاعة تنعكس توجهات المعبود على سلوك العابد ، وبما ان سلوك المشركين المنحرف يعكس توجهات الجن فإنهم كانوا في الواقع يعبدون الجن التي هي الموجودات الغيبية التي يمكن ان تكون منحرفة ، ولذلك أمرنا الله ان نستعيذ به منهم في سورة الناس فقال : (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ* مَلِكِ النَّاسِ* إِلهِ النَّاسِ* مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ* الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ* مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ).
ثم ان العبادة تعكس عادة صلة العابد بالمعبود ، وصلة هؤلاء كانت مع الجن دون الملائكة ، إذ أن الجن كانت توسوس في صدورهم ، وتدعوهم الى الضلالة.
(أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ)
فالجاهليون كانوا ينسبون الخوارق للجن ، ويقدسونها ، ولعل تغيير الصيغة من العموم الى الاكثرية جاء بسبب أن العبادة أشمل من الايمان إذا فسرناها بالتسليم والطاعة المطلقة ، فكثير أولئك الذين يعبدون السلاطين خوفا وطمعا ولا يؤمنون بهم ، ومن أبرز مظاهر العبادة بلا إيمان طاعة البسطاء للأحبار والرهبان ، واتخاذهم أربابا من دون الله ، دون ان يسجدوا لهم ، أو يؤمنوا بأنهم خالقوهم ورازقوهم.
(٤٢) وينسف القرآن الكريم أساس الشرك ، وعبادة الملائكة والجن بأن الخلائق لا تملك نفعا ، ولا تدفع ضرا من دون أمر الله وإذنه.
(فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً وَلا ضَرًّا)
ويؤكد ربنا مسئولية الإنسان عن أفعاله دون ان يقدر الشركاء الذين يعبدون