أحدكم إمّعة ، يقول : إن أحسن الناس أحسنت ، وإن أساؤوا أسأت ، ولكن وطّنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا ، وإن أساؤوا أن تجتنبوا إساءتهم».
ونستفيد من الحديث أنّه لا يوجد في الإسلام حتميّات اجتماعيّة ، ومن الممكن تغيير الثوابت والحتميّات الاجتماعية بإصرار أبناء المجتمع ، ولكن من عادة الناس اتباع الحالة الاجتماعية ، إلّا من عصمه الله ، ولذلك فهم مشتركون في الجزاء.
(الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)
لو قال ربّنا : «الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ» لاحتمل أن يكون الجزاء من غير جنس العمل ، ولكن حذف الباء يؤكّد أنّ الجزاء هو ذات العمل الذي اجترحه الإنسان.
[٢٩] (هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِ)
نطق الكتب قد يكون بسبب وضوح الأعمال ، وقد يكون النطق بالمعنى الظاهر للكلمة ، أي أنّ الكتاب يفرز الصوت ، وقد أشار القرآن الكريم إلى مثل هذا المعنى في قوله : «(حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ* وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ) ...» (١) ففي يوم القيامة تجسيد حي لعمل الإنسان ، فربما عرض عليه الصوت والصورة لعمله ، والفرق بين كتابة العمل في الدنيا عنه في الآخرة أنّه في الدنيا تكتب ظاهر الأعمال ، بينما في الآخرة تثبت بخلفيّاتها ، وبكلّ مقاديرها ونسبها ، إذ تكتب صلاة الاثنين ، ولكنّ لكلّ صلاة خصوصيّاتها ، فصلاة هذا أكثر إخلاصا وخشوعا وتأنّ من الآخر ، وكذا في سائر الأعمال.
__________________
(١) فصّلت / (٢٠ ـ ٢١).