يبلغ أشدّه ، بل ويبلغ أربعين سنة وتكتمل رجولته.
(حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَ)
ومتى يبلغ الإنسان أشدّه ، هل عند ما يصل إلى سنّ البلوغ الشرعي الذي هو عند الفتى كمال سن الخمسة عشر أو الاحتلام ، وعند الفتاة كمال التاسعة من عمرها ، أم عند ما يبلغ سنّ الرشد الذي قيل أنّه بلوغ الثامنة عشر؟
قال البعض : إنّ الإنسان لا يبلغ أشدّه إلّا عند سنّ الأربعين ، بيد أنّ الأقرب الى ظاهر الآية هو بيان نوعين من البلوغ : الأوّل : البلوغ الأوّلي الذي يجعل الفرد مستعدّا لدخول الحياة ، الثاني : البلوغ الأتمّ الذي يحدث عند سنّ الأربعين حيث يكتمل نموّ خلايا المخ ، وتتراكم تجارب الحياة ، ويكون الإنسان في قمّة عمره حيث ينحدر من بعدها شيئا فشيئا إلى نهايته ، ومن هنا جاء في الحديث أنّ الشيطان يمسح يده على وجه من زاد على الأربعين ولم يتب ، ويقول : بأبي وجه لا يفلح.
ويؤيد ذلك أنّ الإنسان يمثّل في العقد الأربعين من عمره دور الولد الذي أكمل الوالدان دورهما في نموّه وتطوّره ، كما يمثّل الوالد الذي ذاق ـ بدوره ـ الصعوبات التي تحمّلها والداه في أمره فعرف قدرهما ، ووعي قدر النعم التي أسبغها الله عليه. فطفق يشكر الله شكرا جزيلا ، ولكنّه كلّما ازداد وعيا بالحياة ومشاكلها كلّما عرف عجزه عن أداء شكر الله فأخذ يدعو الله أن يوفّقه لشكر هما بفضله ، لأنّ منبعث الشكر الرؤية الايجابية إلى الحياة ، وهي تطلق قدرات الإنسان من عقال اليأس والتشاؤم والسلبية ، وتزرع في قلبه حبّ السعي ، وروح النشاط ، وهمّة التقدّم ، والتطلّع إلى الأهداف السامية.