فخلال رحلة العمر ذات الأربعين ربيعا أزاغته الذنوب عن صراط ربّه العزيز الحميد ، وقد ذهبت الآن شرّة السهو عنه ، كما تلاشت لذّات الشهوات ، وأزالت طوارق الزمن سكرة الشباب ، واكتمل عقله ، وعرف أنّ طريق الفلاح ينحصر في التوبة إلى الله عزّ وجل.
لقد قرأت أخيرا في مجلّة غربيّة واسعة الانتشار مقالا يدعو من بلغ الأربعين ألّا يحاول تغيير عاداته ، ويبدو أنّ الكاتب كان يعتمد في ذلك على أنّ الإنسان في مثل هذا الوقت لا يملك إرادة التغيير ، وهذا ينسجم مع النظرة المادية إلى الإنسان ، وتلخيص دوافعه في الشهوات الدنيوية التي تتراجع عند سنّ الأربعين ويتلاشى بعضها ممّا لا يجد دافعا نحو التغيير ، بينما البصيرة القرآنية تدعونا إلى التوبة عند سنّ الأربعين ، حيث يكتمل العقل ، وتلتهب جذوة الضمير ، وتتهيّأ فرصة الإصلاح ، وتتنامى دواعي الخير وبواعث الفضيلة فيه.
وهكذا يكون عقد الأربعين أفضل مناسبة للثورة الذاتية ، بالتوبة إلى الله ، والتسليم للشريعة التي تخاطب العقل ، وتذكي دواعي السعي للآخرة التي يكون صاحب الأربعين أقرب إليها من غيره.
(وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)
فاذا دعتني سكرة الشباب الى التمرّد ردحا من الزمن فها أنا ذا اليوم أعترف بالذنب ، وأخضع لك يا ربّ خضوعا تامّا ، وأفتّش في صفحات تاريخي ، فاذا وجدت فاحشة هنا وخطيئة هناك ، وظلما للناس ، وغصبا للحقوق ، وانحرافا في العقيدة ، وزيفا في الثقافة ، وعادات سيئة وما أشبه ، فانّي أسعى لتغييرها والتخلّص من وزرها وتبعاتها بتوفيقك. أو ليس كلّ ذنب وزيغ وانحراف يخلّف