الأمواج الهادرة التي تحيط بالسفن الشراعية وهي تمخر عباب البحر ليست بعيدة عمّا يجري في داخل السفينة. أرأيت كيف تتساقط أغشية الشرك عن أبصارهم فيهرعون إلى الدعاء لكي ينقذهم الله من ورطتهم ، كما يصف ربنا ذلك بقوله : «هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ». (١)
بلى. إنّ هذه البصيرة تجعل الإنسان يزداد تحسّسا بالمسؤولية ، واتقاء للأخطاء ، وانضباطا في أعماله وأقواله ونيّاته ألّا تفسق عن الحدود التي رسمها له الله. أو ليس كلّ شيء يحدث بأمر ربّه؟ أو ليس الله حكيما لا يقضي بشيء من دون استحقاق؟ إذا دعنا نكن حذرين ، نتورّع عن ما يغضب الرب ، ونعتبر بمصير الغابرين.
إنّ الجهل والعناد والجحود لا تنفعنا شيئا ، بل هي مسئولة عن وقوع أكثر الناس في المهالك. إنّهم يزعمون أنّ الطبيعة عمياء تصيب ضحاياها بلا قانون! كلّا .. إنها مأمورة ، وربّها الذي يدبّرها عليم حكيم.
وها قد نزلت الكارثة بقوم عاد بأمر الله ، واجتاحت العاصفة ديارهم ودمّرتهم.
(فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ)
ودليل أنّ الريح كانت مأمورة أنّها لم تأخذ إلّا المجرمين منهم.
(كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ)
__________________
(١) يونس / (٢٢ ـ ٢٣).