[٣٥] لكي تمضي سنّة الامتحان في الكافرين كما أرادها الله بحكمته البالغة ، لا بدّ أن يكتفي المنذرون بالبلاغ ، ويصبروا على أذى قومهم دون أن يستعجلوا لهم العذاب.
ولكي لا يتحوّل الصراع مع الكفّار إلى صراع ذاتي بين طائفة وأخرى ، بل يبقى نقيّا عن أيّة مصلحة مادية لأهل الحق حتى تتم الحجة على أعدائهم ، لا بد من الصبر.
(فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ)
أو ليس الرسول (ص) منهم وهو أفضلهم ، فليصبر كما صبر نوح (ع) عند ما دعا قومه ألف سنة إلّا خمسين عاما فلم يؤمن به إلّا نفر قليل ، وكما صبر إبراهيم (ع) عند ما ألقي في النار ، وعند ما هاجر إلى ربّه ، وعند ما أسكن من ذرّيّته بواد غير ذي زرع عند بيت الله المحرّم ، وعند ما حاول ذبح ابنه استجابة لأمر ربّه ، وكما صبر موسى (ع) في مواجهة أعتى طاغوت مع شعب خائر العزيمة كبني إسرائيل ، وكما صبر عيسى (ع) مكاره الدنيا بزهده ومقاومته لعتاة بني إسرائيل.
هؤلاء هم أولوا العزم من الرسل الذين أخذ الله منهم ميثاقا غليظا ، لأنّهم كانوا أصحاب شريعة جديدة ، لكلّ أهل الأرض ، وكانوا بحاجة إلى صبر عظيم لتبليغها إلى الناس.
فقال ربّنا سبحانه عنهم : «وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً». (١)
__________________
(١) الأحزاب / (٧).