أَهْلَكْناهُمْ فَلا ناصِرَ لَهُمْ)
كانوا يبنون بكلّ ريع آية يعبثون ، ويتخذون مصانع لعلّهم يخلدون ، وإذا بطشوا بطشوا جبّارين ، وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا فارهين ، وكانت الأنهار تجري من تحتهم ، وكانوا يستخفّون بالمؤمنين ، ويقولون : إنّهم لشرذمة قليلون .. ولكن ألم تر كيف فعل ربك بهم ، ألم يصبّ عليهم سوط عذاب؟! بلى. فهل وجدوا لهم نصيرا؟!
ومن هذا السياق (علاقة الآية ١٢ بالآية ١٣) نستوحي الحقيقة التالية : انّ المؤمنين يتعاملون مع الأشياء ـ كلّ الأشياء ـ باعتبارها وسائل للوصول إلى الأهداف ، فهم لا يعتمدون عليها ، ولا يتخذونها أندادا لله ، ولا يحجبهم حبّهم لها أو تعاملهم معها عن الله ورسالاته وأحكامه ، وبكلمة واحدة : إنّهم يجعلونها وسيلة يسخّرونها لتحقيق الحكمة من خلقهم ، ولا يجعلون أنفسهم سخرة لها ، بينما الكفّار ينظرون إلى الأشياء نظرة ذاتية ، فيغترّون بها ، ويعتمدون عليها ، ولكنّها لن تغني عنهم شيئا.
[١٤] حين يفصل الكتاب بين المؤمنين والكافرين لا يفصل بينهما كعنوانين ظاهرين ، بل كقيمتين واقعيتين ، ينفصل على أساسهما من يتظاهر بالايمان عن الفاسق والمنافق.
ذلك أنّ القرآن يتحدّث غالبا عن الحق ، وليس عن مظاهره ، ولذلك فالكافر في آياته ليس دائما الذي يتظاهر به ، بل قد يكون الذي يكفر ـ مثلا ـ بآية في القرآن أو يكفر عمليّا بفريضة إلهية ، لأنّ الحديث القرآني هو عن واقع الكفر لا ظاهره ، ممّا يشمل كلّ من يوجد لديه هذا الواقع.