وهذه السورة تتميّز بالصراحة في هذا الفصل ، ولذلك جاء في الحديث المروي عن أبي عبد الله الصادق (ع): «من أراد أن يعرف حالنا وحال أعدائنا فليقرأ سورة محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم) ، فانّه يراها آية فينا وآية فيهم» (١) أي أنّها تتحدّث بوضوح تام عن منهاج محمّد وآله الحق ، والمنهاج الباطل المخالف لهم.
(أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ)
فدار مع الحق أينما دار ، ولم يجعل ذاته أو هواه محورا لقراراته.
(كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ)
كلّا .. لا يستويان. إنّه لفرق كبير بينهما ، فأولئك محورهم الحق ، وهؤلاء محورهم الهوى.
إنّ المؤمن يفكّر ثم يتحدّث ، ويخطط ثم يعمل ، بينما الكافر والمنافق يتحدّث بلا روية ، ويعمل بلا هدف سليم ، لأنّه لا يعتمد الحق مقياسا لشؤون حياته. أو لم يقل الامام علي (ع): «لسان العاقل وراء قلبه ، وقلب الأحمق وراء لسانه»؟ (٢).
إنّ المؤمن يعلم أنّه قد يخطئ صراط الحق ، ومن هنا فهو لا يتحرّك إلّا عن بيّنة ، فلا يخطو خطوة إلّا وهو يعلم أنّه سيضعها في الموقع السليم ، كمن يحمل مصباحا ويقدّمه أمامه ثم يبدأ المشي ، وبالعكس الكافر والمنافق. إنّه يتخبّط في ظلمات الباطل ، لأنّ الدافع الأساسي له الهوى «وكم من عقل أسير ، تحت هوى
__________________
(١) نور الثقلين / ج ٥ ـ ص ٢٤
(٢) نهج / حكمة ٤٠ / ص ٤٧٦