والابتلاء ، ولكنّه لا يتعرّض للفتنة الكبرى إلّا حينما يقع في قبضة السلطات الإرهابية ، فيتعرّض لألوان التعذيب الوحشي أو الانحراف الخادع ، فإن صمد ولم يكشف لهم عن أسراره كتب خلوده ومجده بألمه ، وربما بدمه.
وصور اجتماعية لهذا النوع من الفتن نجدها في حياة الأمم ، ولكن ليس عند الفتن التي نسمّيها بالتحديات والتحديات المضادة التي تتعرّض لها في اقتصادها وفي سياستها وتركيبتها ، وإنّما عند المواجهة الحاسمة ، حين تقف هذه الأمة أمام عدوّ أقوى منها سلاحا ، وأرقى تقدّما ، وأكثر عددا ، فإن صمدت فإنّها تكتب مجدها ، وإن انهزمت فإنّها تقرّر مصيرها.
وكشاهد على هذا اللون من الفتن في التاريخ الفتنة التي تعرّض لها موسى وقومه من جهة وفرعون وملأه وجنده من جهة أخرى ، والتي انتهت بفشل هؤلاء الذين لم يرتفعوا الى مستوى تحدي الكبرياء الكاذبة في أنفسهم ، فانحرفوا وانتهت حضارتهم للأبد.
إذن فالفتن الكبرى مصيرية وحاسمة ، والسؤال هنا : كيف يصمد الإنسان أو المجتمع أمامها؟ إنّه يحتاج إلى إرادة قوية ، وهي لا توجد عند الإنسان في لحظة واحدة ، وإنّما بالتدريج والتربية ، فكما أنّ البحر الطمطام الذي يمتد طولا وعرضا يتكون من القطرات الصغيرة ، وهكذا الصحراء المترامية الأطراف تتكون من ذرّات الرمل ، فكذلك إرادة الإنسان تصنع من مجموع إرادات صغيرة ، هو يتمكّن من اتخاذ الموقف الصعب إذا مارس المواقف الأقل منه في الحياة.
وكمثال على موقف الإنسان من الفتنة الكبرى واتصال ذلك بمواقفة السابقة دعنا نستعرض قصة رجلين : أحدهما سقط في الفتنة ، بينما انتصر الثاني ، فهذا هو عمرو بن العاص حسبما يقول عنه ابن قتيبة الدينوري في كتابه الإمامة والسياسة :