أولئك الذين يزعمون ان القتال شر مستطير ، وانهم دعاة السلام ، تراهم وقود معارك الباطل ضد الحق. ألم تقرأ في التاريخ : كيف ان أهل الكوفة رفضوا القتال مع الامام الحسين عليه السلام ضد الأمويين باسم الخروج من الفتنة ، ثم استخدمهم يزيد في قتال السبط الشهيد كرها.
إن لحكم القرآن ثمنا من لم يدفعه راضيا ابتلي بحكم الطاغوت ودفع أضعاف ذلك الثمن مكرها.
(فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ)
كلمة عسى تدل على التوقع .. فهذه هي العاقبة المتوقعة لمن يتولى عن الحق!
ولان الحديث في هذه السورة عن الحكم الالهي والولاية الشرعية وتحمل مسئولياتها في طليعتها الدفاع عن الدين ، فان معنى التولي هنا الانسحاب من ساحة المواجة وترك القيادة الرشيدة وحدها في الميدان ، ولذلك فسر البعض هذه الكلمة ، بأنه بمعنى الولاية أي إذا أصبحتم حكاما ، وأوله البعض في بني أمية استنادا الى ما رواه عبد الله بن مغفل قال سمعت النبي صلّى الله عليه وآله وسلم يقول : فهل عسيتم إن توليتهم أن تفسدوا في الأرض .. ثم قال : هم هذا الحي من قريش أخذ الله عليهم إن ولوا الناس ألا يفسدوا في الأرض ولا يقطعوا أرحامهم. (١)
والفساد في الأرض ، هو النتيجة الطبيعية للنظام الذي لا يستلهم من الدين أحكامه .. فيفسد الإقتصاد والاجتماع كما يفسد الأخلاق والآداب ومن أبرز مظاهر إفساده تفريق الكلمة ، واشاعة الفساد في الخلق ، الذي يؤدي الى تفكك الأسرة وقطع الأرحام. ويبدو ان قطع الرحم هو آخر عروة ينقض من عرى
__________________
(١) تفسير القرطبي / ج (١٦) ـ ص (٢٤٥).