وإذا جردت حياتنا في الدنيا من هدفها المتعالي المتمثل في بلوغ الجنة والرضوان ، فهل يبقى فيها هدف معقول؟ كلا .. وماذا نتصوره من هدف حكيم للطعام والشراب لو تفكرنا فيه ليس سوى لذة عابرة ، وقوة تتبدد ، ودورات قصيرة لا ننتهي من واحدة حتى نقع في الثانية ، واللعب هو السعي الذي يهدف غاية غير حكيمة (خيالية) ، واللهو هو السعي الذي لا هدف له أبدا .. وما الدنيا إلا لعب ولهو لأن ما فيها يزول ، لو لا ما نبقي منها لحياتنا الحقيقية في الآخرة ، وهو الذي يشير اليه السياق :
(وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ)
في الدنيا كرامة وسعادة وعزا ، وفي الآخرة جنات النعيم.
(وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ)
قالوا : معنى ذلك انه سبحانه لا يطلب منكم أجرا بإزاء هدايتكم ، ولعل معناه انه سبحانه يعترف لكم بالملكية ، ولا يسلبكم الأموال بصورة كاملة دون إكراه ، بل بالترغيب وهذا لا ينافي الأمر بالإنفاق لما فيه من فوائد عظيمة لكم ، لأنه دليل واقعي على انتماء الفرد لمجتمع الايمان والفضيلة ، كما انه سيجعل النفوس نقية صافية طاهرة ، وسيجعل المجتمع متماسكا ملتحما ويسير بسرعة أكبر نحو التقدم.
[٣٧] ومن حكمة ربّنا ورحمته بنا انه لم يأمرنا بإنفاق جميع أموالنا ، وإلا لم يكن يتمسك بعروة الإسلام إلا القليل من الناس.
(إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ)
يجهدكم في المسألة من الإحفاء بمعنى الإصرار في المسألة.