الأموي الذي قتل ذرية رسول الله فقالت له : «ولئن اتخذتنا مغنما لتجدنا وشيكا مغرما ، حين لا تجد إلا ما قدمت يداك .. فكد كيدك ، واسع سعيك ، وناصب جهدك ، فو الله لا تمحو ذكرنا ، ولا تميت وحينا ، ولا يرخص عنك عارها». (١)
هكذا كانت (ع) تنظر الى آفاق المستقبل البعيدة ، دون أن تأسرها مصاعب اللحظات الراهنة الآنية ، وهكذا كان جميع حملة الرسالة عبر التاريخ ، ينظرون الى الآفاق البعيدة ، فكانوا يتحملون تلك المصائب الرهيبة التي لو أنزلت على جبل لهدّته هدّا! بلى. بالايمان بأن الله معهم ، وانه لا يضيع أعمالهم الصالحة ، ويحفظ جميع جهودهم ، ويباركها وينميها وانه يكيد الكافرين ، ويحبط أعمالهم ويبطلها ، وان العاقبة للمتقين ، بكل ذلك كان المجاهدون على امتداد التاريخ يتحدون الصعاب.
[٣٦] ونتساءل : لماذا تخور عزائم البعض في مواجهة أعداء الدين؟ لماذا يستحوذ عليهم الوهن ويدعون الى السلم؟
إن السبب هو حب الدنيا ، ولذلك يحذرنا الرب منها ، ويبين لنا القيمة الحقيقية لها فيقول :
(إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ)
وإذا انتزعنا حب الدنيا من قلوبنا ، فسوف نتسلح بالشجاعة الكافية لمواجهة الأعداء ، كما نستعد لاقتلاع جذور سائر الأمراض القلبية التي تحدثت عنها هذه السورة المباركة كالنفاق والحسد والكبر ، لأن «حب الدنيا رأس كل خطيئة» ـ كما في حديث مأثور ـ.
__________________
(١) مقتل الخوارزمي / ج (٢) ـ ص (٦٤).