ولكنّهم عصوه.
(ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ)
إذ صاروا يختارون ما توحي به شهواتهم ومصالحهم وقيادتهم الباطلة على أمره ، وأكثر من ذلك اتهموه.
(وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ)
فهو ينتمي إلى الآخرين في نظرهم ، وهذه تهمة يوجّهها الطغاة إلى كلّ ثائر ومجاهد ، حيث يسمّونه عميلا ، ويدّعون عليه الارتباط بجهات خارجية ، ومن جهة أخرى اتهموه بالجنون لما يقدم عليه من أعمال جريئة. حقّا إنّهم اعترفوا بأنّه عالم وشجاع ، ولكن منعهم غرورهم من الاعتراف بعظمته ففسّروا حكمته بالتعلّم ، وبطولاته بالجنون ، وإذا عرفنا أنّ رسالته لم تكن ناشئة من الثقافة المنتشرة في مجتمعة فانّ اعترافهم ماض في أنّه رسول ، وحين عرفنا أنّ شجاعته كانت محسوبة فانّ كلامهم اعتراف بأنّه توكل على الله فأيّده ربّه.
[١٥] ولكن مع ذلك قد يرفع الله العذاب عن عباده رحمة بهم ، ذلك أن من أهداف إنزاله على الناس إعادتهم للحق ، وتصحيح مسيرتهم الخاطئة ، عبر بعثهم نحو نقد الذات ، كما يقول تعالى : (فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ) (١) فاذا ما تضرّعوا رفعه الله عنهم لاقامة الحجة التامة عليهم ، وبيان زيف ادعائهم بأنّهم تائبون حقّا.
(إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ)
__________________
(١) الأنعام / ٤٢