وربّنا يعلم بحقيقتهم ولكنّه يرفعه عنهم بلطفه ، فاذا بهم يعودون لما نهوا عنه ، ممّا يجعلهم يستحقون أشدّ العذاب.
[١٦] وربّنا يؤكد بأنّ العودة إلى المعصية والانحراف تستلزم إرجاع العذاب ولكن بصورة أشدّ وأقسى ، وليس بهدف هدايتهم ، بل انتقاما منهم هذه المرة.
(يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ)
إنّ العذاب الذي يراه الظلمة في الدنيا ليس سوى نفحة من العذاب الذي ينتظرهم بعد الموت.
[١٧] ووقوع هؤلاء طعمة للبطشة الكبرى نتيجة طبيعية لفشلهم أمام أعظم فتنة يتعرّض لها البشر ، وهي فتنة التسليم للقيادة ، حيث تولّوا عن الرسول وخالفوا أمره ، فلن يكون مصيرهم ولا مصير أمثالهم بأفضل من أسلافهم الذين تحدّوا قيادة الرسل.
(وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ)
وانبعاث القيادة الرسالية المتمثّلة آنذاك في موسى (ع) وضع المجتمع كلّه أمام فتنة كبري ، فهو إمّا يختار الانحطاط والدمار باتباع الباطل بقيمه ورموزه ، وإمّا يتبع الحق برسالته وقياداته.
[١٨] وقد بيّن موسى (ع) الهدف الأوّل من رسالته وهو تحرير الإنسان من العبودية للطاغوت ، وقد أشارت آيات عديدة إلى أنّ صبغة رسالة الله إلى موسى كانت تحرير بني إسرائيل من طغيان آل فرعون ، إذ كانت هذه أعقد مشكلة حضارية في ذلك العصر ، وقد تحدّت رسالات الله جميعا بؤر الانحراف وعقد المشاكل ، فاذا كانت عقدة الحضارة العلو في الأرض ، كما نجده في مجتمع عاد ، فانّ أخاهم هودا نهاهم عن أن يبغوا الفساد في الأرض ، وأن يبطشوا بطش