ولكنّ ربنا لا يدع الأمر هكذا دون قيد يفرضه عليهم ، وبصيرة يهدي بها الرسول القائد والمؤمنين من حوله في التعامل مع هذا الطراز من الناس ، وإنّما يشترط لقبول توبتهم أن تكون توبة نصوحا تحكيها أعمالهم وممارساتهم ، وتتجلّى في مواجهاتهم اللاحقة مع الكفّار ، التي ينبغي أن يثبتوا فيها جدارتهم للانتماء الى خطّ الرسالة وتجمّع المؤمنين ، أمّا مجرد الكلام وإلقاء الأعذار فلا يمكنه إعادتهم الى الصف الإسلامي أبدا.
بينات من الآيات :
[٨] (إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً)
والشاهد : الحاضر ، فكيف ينسحب هذا المعنى على القائد؟ إنّ الشاهد هو الحاضر الذي يكون سلوكه مقياسا للحق ، وشهادة الرسول على الأمّة حجّيته ، وكونه المقياس العملي للخير والفضيلة ، والميزان الواقعي للضلالة والهدى ، وليس المراد من شهادته (ص) حضوره الجسدي بين المسلمين ، وإلّا لما كان ذلك يحتاج الى الإرسال من قبل الله باعتباره تحصيل حاصل ، ثمّ انّ هذه الشهادة لا تنحصر زمنيّا بوجوده المادي ، وإنّما تشمل البشرية التي أرسل إليها جيلا بعد جيل ، وزمنا بعد زمن.
ولكي يتضح معنى الشهادة بالنسبة للرسول القائد (ص) لا بد من الحديث عن صفتين تجسّدانها من صفاته ، هما : دعوته الناس الى الرسالة عن طريق كلامه وبيانه ، والأخرى دعوته لهم من خلال سلوكه وعمله ، وذلك بصنعه واقعا يتأثّر به المجتمع من حوله ، ومثال ذلك أنّه (ص) حينما يوقّع على صلح الحديبية ، ويقبل بمحو اسم (رسول الله) من الوثيقة تكتيكيّا ، فلكي يستمر الصلح بفوائده استراتيجيّا ، وحينما يوقد جيشا لجبا الى المعركة ، وحينما يصلّي خاشعا لربّه ، وحينما يعفو ويسامح ، و.. و.. كلّ هذه السلوكيات تؤثّر واقعيّا على المجتمع ،