وتدفعه دفعا قويّا ومن الأعماق للتأسّي بصاحبها واتباعه ، إذن فالقيادة قبل أن تكون منصبا سياسيّا واجتماعيّا ، وقبل أن تكون قرارا من أعلى ، هي ـ في الواقع ـ مبادرة وواقع عملي ، والأئمة (ع) أكثر ما أمروا أصحابهم واتباعهم بالعمل لا بالكلام ، والامام الصادق (ع) يقول : «كونوا دعاة لنا بغير ألسنتكم» يعني بسلوككم وعملكم ، لأنّ ذلك أمضى أثرا في واقع الناس ونفوسهم ، وأكبر دلالة على خطّ الإنسان وفكره ، ولقد قرأنا في الدرس السابق كيف أنّ الرسول حينما أمر المسلمين بحلق رؤوسهم ونحر بدنهم رفض أكثرهم فبادر شخصيّا الى ذلك فتهافتوا للحلق والنحر.
هذا من جهة ، ومن جهة أخرى إنّ ألفاظ الرسالة تتعرض للتلاعب من قبل المنافقين ، كما انّها تحتمل التأويل والتفسير ، بينما الشهادة العمليّة تبقى حجّة جليّة بالغة ، لا تحتمل أكثر من تفسيرها الواقعي ، فلو أمر الرسول (ص) الناس بالصدق وبالأمانة بمجرد الكلام ، دون أن يجسّد لهم هذين المعنيين ، لكان الكثير من المسلمين يكذّب أو يخون ، ويفسّر ذلك بأنّه الصدق والأمانة اللّذان أمر بهما الرسول ، ولكن الرسول قال وعمل فكان عمله أكبر مفسّر لقوله.
إنّ الرسول يصبح شاهدا وقائدا للمسلمين ، وتصبح سيرته منهجا للأجيال بعد الأجيال ، حينما يجمع أصحابه ويذهب الى مكة فيتهرّب جمع منهم ، وينسلّون من جيشه لواذا خشية الابادة ، فإنّه يصنع واقعا حيّا ، أو حين ينصرف من الخندق مع المسلمين ، ويضع عنه اللّامة ، ويغتسل ، ويستحم ، فينزل عليه جبرئيل ويقول له : «عذيرك من محارب. ألا أراك قد وضعت عنك اللّامة ، وما وضعناها بعد» فإذا به يثب (ص) للجهاد ، ويتبعه المسلمون ، ويحارب بني قريظة.
هذه المواقف الواقعية هي التي تترك أثرها البالغ في نفوس الناس والأجيال ،