فمجمل أفكارهم خاطئة ، وبتعبير آخر أنّ القلة هنا نوعية لا كميّة.
[١٦] ومع أنّ الله يفشل كلّ محاولاتهم لتبرير تخلّفهم أوّلا ثم عودتهم الى صفوف المسلمين فإنّه يفتح أمامهم طريقا للتوبة ، والطريق الواسع الى رحاب التوبة بالانتماء الحقيقي ، إذ ليس صعبا أن ينتمي الشخص الى صفّ الرساليين ظاهرا ، وإنّما الصعب أن يكون انتماؤه انتماء حقيقيّا تكشف عنه استقامته في الظروف الصعبة.
وحيث مرّ هؤلاء بتجربة عملية كشفت للقيادة الرسالية والمؤمنين ضعف انتمائهم ، فهم بحاجة إذن الى تجربة أخرى تثبت صدق توبتهم ، ولا شك أنّ الذي يتوب عن صدق سوف يقبل بما يشترط عليه ليكون دليلا لتوبته ، يحدوه الى ذلك خوفه من الله ، وإحساسه بضرورة التكفير عن ذنبه ، ولذلك أمر الله رسوله أن يلزم التائبين من المخلّفين بشرط الثبات في المواقف المستقبلية ، ولعلّه عبّر في مطلع الآية بكلمة «قل» لبيان أنّ الشرط إنّما هو من عند الله عزّ وجل ، وليس من لدن الرسول (ص) حتى يمنع بذلك أيّ محاولة أخرى للاعتراض أو التبرير.
(قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ)
والاحتمال الأقوى أنّهم يختارون الحرب ولو في بادئ الأمر ، على الأفل تقة بالنصر على المسلمين واعتمادا على قوّتهم الظاهرية ، إذن فالابتلاء عظيم ، والامتحان عسير ، يحتاج فيه هؤلاء عزم راسخ وإرادة قوية لكي يثبتوا صدق توبتهم ، وبالتالي تقبلهم القيادة الرسالية في تجمّعها ، ولا يخوض غمار هذا الابتلاء إلّا الصادقون ، أمّا الانتهازيون والمصلحيون فإنّهم لن يجازفوا بأنفسهم.