(لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ)
وهذه من سماحة الإسلام ونظرته المتوازنة للأمور أنّه في الوقت الذي يشدّد على موضوع القتال لا يغفل عن بيان الأعذار الحقيقية التي يعذر في إطارها المتخلّفون ، ثم يجعل الحدّ الفاصل في إفرار هذه الأعذار أو رفضها رأي القائد ، لأنّه هو الذي يحدّد متى تكون هذه الأعذار الآنفة الذكر مقبولة كمانع عن القتال ، فمن يحدّد ـ مثلا ـ أنّ الأعمش يلحق بالأعمى ، وما درجة ضعف العين الذي يسقط بموجبه الجهاد عن صاحبه ، وما درجة العرجة ، وهل أنّ المرض الذي لا يمنع عن القتال ـ كمرض السكّري ـ يعتبر عذرا؟ ثم أنّ هناك أعذارا حقيقية لم يتعرّض لها النصّ ، مثل شلل اليدين ، والبدنة المفرطة ، والسفه .. ، ولعلّه لذلك أكّد ربّنا بعد ذكر الأعذار الشرعية على طاعة القيادة ، فقال :
(وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ)
وإذ يعد الله الطائعين له ولرسوله بهذا الجزاء ، ويشير في علاجه لمثل هذه القضية الى موضوع الآخرة ، فلأنّ العامل الأساسي الذي يدفع الإنسان للفرار من ساحة المعركة ، أو للتمرد على أوامر القيادة الرسالية بشكل عام ، هو التشبّث بحطام الدنيا الزائل ، وهكذا يخلق التذكّر بالآخرة معادلة في ضمير الإنسان وعقله بين نتائج الهزيمة السلبية ، ومعطيات الثبات والطاعة الايجابية العظيمة ، وتأتي في البين خاتمة الآية لترجع فرار الطاعة والثبات على فرار الهزيمة بإتارة عامل الخوف والرهبة من عذاب الله عند الإنسان.
(وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذاباً أَلِيماً)