[٢٤] وحيث انفلق البحر لموسى وبني إسرائيل ، وعبروا من خلاله للطرف الآخر من اليابسة ، أمره الله أن يتركه على حاله منشطرا ، لكي يتبعهم الظلمة من خلاله فاذا توسّطوا البحر جميعهم أغرقهم.
(وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ)
وقد ذكروا لكلمة الرهو معنيين : الواسع والساكن (الخافض والوادع) ومعنى ذلك أن يترك الطريق كما هو واسعا وادعا ليغري فرعون بالسير فيه تمهيدا لهلاكه وقومه.
[٢٥ ـ ٢٧] واستجاب موسى لأمر الله فجمع بني إسرائيل وأخبرهم بالأمر ، فتحرّكوا ليلا ، وعند ما وصلوا الماء ضربه موسى (ع) بعصاه «فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ» وسار بنوا إسرائيل بأسباطهم الاثنى عشر على الفروق ، وقد تبعهم فرعون وجنده ، فلمّا توسّطوا البحر التقى الماء بأمر الله فأغرقوا بأجمعهم ، وخلّفوا وراءهم كلّ ما جمعوه من حطام الدنيا الزائلة ، فخسروا بفشلهم أمام الفتنة الكبرى نعيم الدارين وهكذا ذهب آل فرعون وخلّفوا وراءهم حضارتهم المادية التي أطغتهم عن القيم الالهية. لقد اجتهدوا لاستصلاح الأراضي وإنشاء بساتين على جانبي النيل ، تجري فيها عيون الماء (من قنوات متصلة بالنيل) ووراء جنات الأشجار كانت الأراضي الخصبة التي تزرع فيها أنواع الحبوب ، وقد أعطتهم هذه الثروة الزراعية أموالا طائلة بنوا بها بيوتهم المرفهة المأثثة بكل وسائل الراحة في ذلك اليوم ، وقد طار صيتهم في الآفاق ، ونالوا مقاما كريما.
وقد بلغت حضارتهم مستوى تجاوزت مرحلة الصعوبات ، وبلغت مرحلة التفكّه والتلذّذ فنقلوا جميعا إلى النيل كعبة آمالهم ، ومعبد غرورهم وكبريائهم ، وأهلكوا ثمة دون أن يمسّ حضارتهم سوء.