إخوانك؟ قال : لا ، أنتم أصحابي ، وإخواني يجيئون من بعدي ، شأنهم شأن الأنبياء ، قوم يفرّون من الآباء والأمّهات ، ومن الإخوة والأخوات ، ومن القرابات كلّهم ، ابتغاء مرضاة الله ، يتركون المال لله ، ويذلّون أنفسهم بالتواضع لله ، لا يرغبون في الشهوات وفضول الدنيا ، يجتمعون في بيت من بيوت الله كأنّهم غرباء ، تراهم محزونين لخوف النار وحبّ الجنة ، فمن يعلم قدرهم عند الله؟ ليس بينهم قرابة ولا مال يعطون بها ، بعضهم لبعض أشفق من الابن على الوالد ، والوالد على الابن ، ومن الأخ على الأخ ، هاه شوقا إليهم! ويفرغون أنفسهم من كدّ الدنيا ونعيمها ، بنجاة أنفسهم من عذاب الأبد ، ودخول الجنة لمرضاة الله. اعلم يا أبا ذر أنّ للواحد منهم أجر سبعين بدريّا.
يا أبا ذر! إنّ الواحد منهم أكرم على الله من كلّ شيء خلق الله على وجه الأرض ، قلوبهم إلى الله ، وعملهم لله. لو مرض أحدهم له فضل عبادة ألف سنة وصيام نهارها وقيام ليلها ، وإن شئت حتى أزيدك يا أبا ذر؟ فقلت : نعم يا رسول الله زدنا ، فقال : لو أنّ أحدا منهم إذا مات فكأنّما مات ما في السماء الدنيا ، من فضله على الله ، وإن شئت أزيدك؟ فقلت : نعم يا رسول الله زدني ، قال : يا أبا ذر لو أنّ أحدهم يؤذيه قملة في ثيابه ، فله عند الله أجر أربعين حجّة ، وأربعين عمرة ، وأربعين غزوة ، وعتق أربعين نسمة من ولد إسماعيل ، ويدخل واحد منهم اثني عشر ألفا في شفاعته.
فقلت : سبحان الله! فقال النبي : أتعجبون من قولي ، وإن شئتم حتى أزيدكم؟ قال أبو ذر : نعم زدنا ، فقال النبي :
يا أبا ذر! لو أنّ أحدا منهم اشتهى شهوة من شهوات الدنيا فيصبر ولا يطلبها ، كان له من الأجر بذكر أهله ، ثم يغتم ويتنفس ، كتب الله له بكلّ نفس ألفي