تفاخر في الأنساب ، وان الحكمة من جعلهم شعوبا وقبائل هو التعارف وليس التدابر والتسامي ، فاذا عرف بعضهم بعضا ضبطت المسؤوليات والحقوق وتهيأت فرصة العدالة. بلى. إن هناك تمايزا واحدا هو التقوى. فان أكرم الخلق عند الله أتقاهم. ومن معاني التقوى سلامة الفكر واستقامة السلوك ، وبذلك يكون التنافس على ما يقدم البشرية نحو أهدافها النبيلة (١٣).
واو) وفي الدرس الأخير يفسر السياق التقوى ببيان أصلها المتمثل في الايمان ربما لكي لا يدّعيها الطامعون والانتهازيون فيقول : «قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا».
وكانوا طائفة التجأوا الى المدينة طمعا في خيراتها بعد أن أجدبت أراضيهم ، ونفى عنهم القرآن إيمانهم ، ولكن لم ينف أنهم مسلمون كما لم ينف أجرهم عند الله ، إن هم أطاعوه وأطاعوا الرسول. أو ليس الله غفورا رحيما؟
وهناك مقياسان نستوحيهما من القرآن للايمان : عدم الشك خصوصا عند ما تخالف تعاليم الدين أهواءهم ومصالحهم ، والجهاد بالمال والنفس في سبيل الله ، فمن فعل ذلك فقد كان صادقا في إيمانه.
ويزعم البعض ان ادعاءه الايمان يكفيه ، وكأنه يعلم الله بدينه ، (وَاللهُ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ، وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).
وترى بعضهم يمنون على الرسول إسلامهم ـ كأعراب البادية الآنف ذكرهم ـ والله يمنّ عليهم بالايمان ، لأنه نعمة كبري إن كانوا صادقين في ادعائه (١٤ ـ ١٧).
ويختم القرآن السورة بأن الله يعلم غيب السماوات والأرض وأنه بصير بما يعمل الخلق ، ولعله تحذير من ادعاء الايمان لمصالح مادية (١٨).