فسواء أكانت البينة (شهادة عدلين) أو الشياع المفيد للطمأنينة ، أو شهادة الخبراء من خلال مجموعة متراكمة من الشواهد والآثار أو خبر العاقل العادل فانه من التبين عند العقلاء .. على أن العقلاء لا يعتمدون على بعض هذه الأدلة إذا كانت الظروف المحيطة باعثة للشك الحقيقي مثلا : الشياع الذي يعتقد أن منشأه شائعة مغرضة لا يورث طمأنينة في النفس فهو إذا ليس بحجة.
كما ان خبر العادل فيما لا يخفى عند غيره يرتاب فيه العقلاء إذا انفرد به كما لو أنبأنا بأن الاذاعة الفلانية نشرت هذا الخبر ، علما بأنها لو نشرته لسمع أكثر الناس وتناقلوه .. أو أخبر برؤية الهلال في ليلة صافية مما نعلم أنه لو رآه هذا العادل لرآه غيره أيضا ، وإذ لم يشهد برؤيته غيره فان العقلاء يشكون في كلامه. كذلك الحوادث الخطيرة لا يعتمد العقلاء عادة على الخبر الواحد فيها مثل الحروب ..
عموما : حالة التبين تختلف عند العقلاء حسب الموضوعات فلا بد من الالتفات الى ذلك ، ولعل الحكمة التي سيقت في خاتمة الآية هي محور الحكم فعلينا أن ندور مداره ، ونتفكر كيف نتجنب الوقوع في الجهالة والندم.
[٧] كيف تتموج الفتنة في المجتمع المسلم؟ إنها تشرع بشائعه تتلقفها الألسن ثم لا تلبث أن تتحول الى تيار يجرف معه البسطاء ، والانتهازيين ، والفوضويين آنئذ تطفق الفتنة وأصحابها بالضغط على القيادة الشرعية التي عليها أن تختار بين الاستسلام لعاصفة الفتنة ، أو خسران شريحة اجتماعية ، فما هو الحلّ؟
الحل ينحصر في تجلي المجتمع بروح الانضباط وأن يعي الجميع أبعاد نعمة القيادة فيشكروها شكرا عمليا. حقا إن المجتمع الذي يعي أهمية القيادة الشرعية يتحصن ضد عواصف الفتنة الداخلية بذات الصلابة التي يقاوم بها قواصف التحديات الخارجية. لذلك يأمر القرآن بأن نعلم دور الرسول فينا (ثم من يخلفه