بينات من الآيات :
[٩] تعالج آيات القرآن عادة أسوء الحالات قبل الحديث عن الحالات العادية ، فمثلا حين تبين سورة النساء العلاقات الاجتماعية تستهلها بمعالجة حالة الطلاق التي هي عقدة العلاقة الاسرية ، وكذلك سورة النور التي ترسم حدود الاسرة الفاضلة تبتدئ ببيان حد الزنا ، وسورة المائدة التي تبني كيان الحضارة الاسلامية نراها تحدثنا في فاتحتها عن حرمة الاعتداء على أموال اليتامى الذين هم أضعف الحلقات الاجتماعية ، وهنا أيضا تعالج الآيات أعقد حالات الخلاف وهي حالة الاقتتال أولا ثم تتدرج في الحديث عن سائر الحالات الأقل تعقيدا. لماذا كل ذلك؟
يبدو أن وراء كل ذلك حكمتين :
الأولى : لبيان الغاية التي سوف تنتهي إليها تسلسل الحالات ، لكي لا يستهان بمبدئها فالخلافات الجزئية التي نستخف عادة بها والشائعات التي نبثها هنا وهناك ضد بعضنا بلا وازع قد تنمو حتى تصبح صراعا دمويا بين طائفتين من البشر. فلكي نرى الحقائق لا بد أن نضرب لها مثلا واضحا ثم نقيس عليه سائر الامثلة.
الثانية : إن عظمة الشريعة تتمثل في معالجة الحالات الشاذة البالغة حدها في التعقيد ، أما الأوضاع العادية فان التعامل معها سهل ميسور.
فمعالجة حالة الطلاق أو الخيانة الزوجية (الزنا) هي المقياس لقدرة الشريعة على وضع نظام صائب لشؤون الاسرة ، كما ان الحفاظ على أموال اليتيم دليل على مدى صلاحية النظام الاقتصادي في المحافظة على حقوق الناس.