أخرى ، ولذلك فانّ الذي يتحمّل الجزاء ليس الفرد في غالب الأحيان وإنّما المجتمع بأكمله.
وعند ما يبيّن القرآن حكمة الجزاء يضرب لنا مثلا من واقع المجتمعات الغابرة التي جزيت بأفعالها على الرغم من قوتها وكيدها ، وهذا الجانب من التاريخ البشري يعكس هدفية الحياة وعقلانيتها.
إنّ الذي يعمل شيئا لا يستطيع الهروب من الجزاء ، فهو إن لم يلحقه عاجلا فسوف يلقاه آجلا ، وفي دعاء كميل نقرأ تعبيرا عن هذه الحقيقة عند قول الامام علي (ع): «ولا يمكن الفرار من حكومتك» (١).
ومن فكرة الجزاء نهتدي إلى أنّ الدنيا دار ابتلاء ، وأنّه لا بد من دار أخرى للجزاء ، ذلك أنّنا نجد البعض يموتون دون أن يلقوا جزاءهم في هذه الحياة ، أو يلقونه بأقلّ ممّا يستحقّون .. فهل كان جزاء هتلر الذي جرّ العالم إلى الحرب التي أدّت إلى مقتل أكثر من (٦٠) مليون إنسان أن يموت انتحارا؟ وهل جزاء شمر الذي أدخل الحزن على قلوب الملايين عبر التاريخ بقتل سيّد شباب أهل الجنة أن يقتل قصاصا وحسب؟! كلا .. إنّ لهم جزاء أكبر من ذلك في دار أخرى يلقى فيها الجميع جزاءهم الواقعي.
إنّ منهج طرح القرآن للموضوعات المختلفة منهج حكيم للغاية ، فهو من جهة يحدّثنا عن جزاء المجتمعات السابقة ، ومن جهة يحدّثنا عن هدفية الخلق ، ثم يذكّرنا بيوم القيامة ، وهذه الموضوعات الثلاثة حينما تتفاعل عبر النظرة الواحدة للحياة تنسجم مع بعضها ، وتصير صورة واحدة متكاملة ، فربّنا عاقب الأمم الغابرة مّما يهدينا إلى أنّه خلق الخلق لغاية لو زاغوا عنها عوقبوا بشدّة ، ويهدينا بالتالي إلى
__________________
(١) مفاتيح الجنان / دعاء كميل