فارفعوا أجنحتكم عنه فوعزتي لا يؤول بعدها الى خير أبدا» (١).
[١٢] نهت الآية السابقة عما يفسد العلاقة بصورة علنية ، وفي حضور الطرف الآخر ، وبتعبير آخر : كانت الآية تطهر المحضر بينما تنهى هذه الآية عما يفسد العلاقة من وراء الشخص وتطهر المغيب .. وتبدأ بسوء الظن الذي تثيره ووساوس الشيطان ، ويتنامى عادة بين المؤمنين في غيبة بعضهم عن البعض.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ)
الظن هو التصور الذي ينقصه الدليل ، وإن كثيرا من هذا الظن باطل وبعضه يصبح إثما. كيف ذلك؟
إن قلب الإنسان يتعرض لأمواج مختلفة من الهواجس والتصورات ، وإن بعضها فقط هي الحق وهي التي تبعث من مصادر المعارف الخارجية ، بينما البقية هي قياسات باطلة وتمنيات ووساوس وإفرازات العقل الباطن وترشحات الاحباطات و.. و.. وإذا راجعت نفسك يوما وحاولت إحصاء وتقييم كل تصوراتك تقييما سليما ، فيومئذ تصل الى هذه النتيجة ان أكثرها لا تعتمد على أدلة مقنعة ، ولكن أنى للإنسان أن يقيم كل ما يتعرض له ذهنه كل يوم من أمواج التصورات المتلاحقة. فما ذا علينا أن نفعل؟
علينا الا نأبه بأي تصور يحيكه ذهننا ، بل نعتمد على الحواس والمصادر الموثوقة للمعرفة.
لذلك فان علينا أن نجتنب كثيرا من الظن ، أما القليل الذي نسعى وراءه فهو
__________________
(١) المصدر ص ٢١٦