الذي تفرزه الحواس ، ويصدقه العقل ، ويصمد أمام النقد الدقيق. أما الظن الآثم فهو الذي تفرزه حالات الحقد والغضب والصراع .. ولكن المشكلة ان هذه المجموعة الصغيرة متناثرة بين سائر الظن الكثير ، مما يجعلنا لا نطمئن اليه جميعا ، كما لو كان بعض الناس في بلد حاملا لفيروس الايدز ولكننا لا نعرفهم بأعيانهم فعلينا أن نجتنب كل أهل هذا البلد حتى يتميزوا عن بعضهم.
من هنا نجد الامام علي عليه السلام يكرر في وصاياه هذه الكلمة ، بعد أن يسأل عن المسافة بين الحق والباطل يقول : «أربع أصابع» ويضع يده على أذنه وعينه فيقول : «ما رأته عيناك فهو الحق وما سمعته أذناك فأكثره باطل» (١).
ولأن كثيرا من الظنون تطال المؤمنين بسبب أعمالهم التي قد يكون لهم عذر وجيه في القيام بها ، فقد أمرنا الدين بأن نحمل أفعال إخواننا على أفضل محمل. قال أمير المؤمنين عليه السلام : «ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك منه ما يغلبك (أي تعلم يقينا غير ذلك) ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوء وأنت تجد لها في الخير محملا» (٢).
وعن النبي صلّى الله عليه وآله : «أطلب لأخيك عذرا فان لم تجد له عذرا فالتمس له عذرا» (٣).
وبعض المؤمنين يزعمون أن من علامة إيمانهم سوء الظن بالناس وملاحقتهم بتهمة الفسق وكأن الأيمان حكر عليهم ، كلّا .. إن ذلك علامة ضيق نظرهم ، وشدة عجبهم المفسد لقلوبهم. أما علامة الايمان الحق فهي سعة الصدر وسماحة
__________________
(١) بحار الأنوار / ج ٧٥ / ص ١٩٦
(٢) المصدر
(٣) المصدر / ص ١٩٧