الشيطان وهواجس الأفكار تتداخل عادة مع بصائر العقل ومكاسب التجربة ، فلا بد من فرزها بتجنب سوء الظن وعدم الاعتناء به. أما إذا استرسلنا مع كل هاجسة في النفس فاننا نفقد المقياس السليم للتفكير ، كما انها قد تقودنا الى الفتن العمياء ، فقد جاء في الدعاء : «فان الشكوك والظنون لواقح الفتن ومكدرة لصفو المنائح والمنن» (١).
ومن هنا أوجب الإسلام ترك الاسترسال وراء الظنون ، ونهى عن التحقق منها والتجسس على الناس وتتبع عيوبهم وقال ربنا :
(وَلا تَجَسَّسُوا)
وهو البحث عن عورات الناس بمتابعتهم وكشف أستارهم. وروي عن أبي بردة أن النبي صلّى الله عليه وآله صلى بنا ثم انصرف مسرعا حتى وضع يده على باب المسجد ثم نادى بأعلى صوته : «يا معشر من آمن بلسانه ولم يخلص الايمان الى قلبه : لا تتبعوا عورات المؤمنين فإنّه من تتبع عورات المؤمنين تتبع الله عورته ، ومن تتبع الله عورته فضحه ، ولو في جوف بيته» (٢).
وروي عن الامام الصادق أنه قال : «إذا رأيتم العبد متفقدا لذنوب الناس ناسيا لذنوبه ، فاعلموا أنه قد مكر به» (٣).
وهكذا يريد الدين لنا حياة آمنة لا تطالها أعين الفضول ، ولا تهتك حرمتها متابعات الطفيليين .. يتحسس كل فرد فيها ببرد الأمنة وسكينة الثقة.
__________________
(١) من مناجاة السجاد (ع) مناجات المطيعين له ـ مفاتيح الجنان ص ١٢٢
(٢) بحار الأنوار / ج ٧٥ / ص ٢١٥
(٣) المصدر