يتحسس بمسؤولية تجاه ما يتحدث به ، فيذكره بأنه خلقه ويعلم حتى ما توسوس به نفسه ، (بالرغم من ادعاءاته الكاذبة) لأنه أقرب اليه مما به حياته ظاهرا وهو حبل الوريد.
فحين يتلقى المتلقيان ـ ولعلهما الملكان أو المتحدثان أنى كانا ـ (ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) ، وهو الى كل ذلك لا يملك دفاعا عن نفسه حين تهجم عليه سكرة الموت بالحق فلا يدفعه بالرغم من أنه كان يحاول أبدا الحيد عنها ، أما حين ينفخ في الصور فهو يوم الجزاء الذي وعد الله يومئذ يؤتى بكل نفس يسوقها السائق ويرافقه الشاهد .. ـ هذا ما كان يتعجب منه ظاهرا ، وانما كان غافلا عنه ـ بينما اليوم يراه مائلا أمام عينيه (فبصره حديد) أما قرينه (وهو الملك حسب بعض المفسرين) فيقول هذا (كتابه) لدي عتيد (قد حفظته منذ أيام حياته الأولى هنالك يأمر هما الله بالقائه في جهنم مع كل كفار عنيد مناع للخير معتد مريب ، وهكذا تحمل جزاء ريبه النابع من تهربه عن المسؤولية ، الذي جعل مع الله إلها آخر. أما قرينه ـ وهو هنا الشيطان الذي أغواه ـ فانه يتبرأ منه ويقول ربنا ليس أنا الذي جعلته يطغى ، محاولة منه للهروب من مسئولية إغوائه ، إلّا أن الرب يأمر بالقائه أيضا في جهنم ، ومسئولية أحدهما لا تنفي مسئولية صاحبه ، وما الله بظلام للعبيد ، وإن جهنم تسع المزيد من المجرمين ، فلا تظنن أن إلقاءك مسئولية غفلتك على الآخرين يبرئ ساحتك أو أن جهنم لا تسع إلّا هو أو أنت.
وفي جانب آخر نجد مشهد المتقين الذين تزدلف إليهم الجنة ويبشرون بها ، أو ليسوا قد وعدوا بها لما تميزوا به من التوبة والتقوى وخشية الرحمن بالغيب وإنابة القلب ، فاليوم يقال لهم أدخلوا الجنة بسلام خالدين فيها أبدا ، ولهم كل ما يشاءون من النعم فيها ، ويعطيهم الله من فضله المزيد.