والكرامة ، ويرفعهم إلى قمم التقدم والكرامة ، لأنه منطلق ذلك كله. ولكن الكفار والمشركين أغفلوا هذه الحقيقة وتركوا ذلك المجد بسبب نفسياتهم وثقافتهم السلبية ، وساروا في نفق من التساؤلات والمواقف القشرية السخيفة التي أفقدتهم ذلك المجد.
والأمة الاسلامية إنما قصرت عن بلوغ الحضارة ، وتوقفت عن التقدم الذي بدأته في نهضتها الاولى ، بل وتراجعت أمام الأمم الاخرى بالرغم من امتلاكها لهذا الكتاب العظيم بسبب تعاملها الخاطئ معه ، فاذا به عند بعض المسلمين كتاب تفؤّل وتبرّك ، بينما انصرف البعض الآخر عن قيمه ومناهجه الحضارية إلى حروفه وما تشابه منه ، وهكذا هجروا كتاب الله ، فلم يبلغوا شيئا من المجد ، ليس لأن القرآن استنفذ أغراضه فلم يعد كتاب المجد ، وإنما لأنه لا يعطي ذلك إلّا لمن اتبعه بحق.
[٢] إن الكفار رفضوا مجد القرآن ، وأصروا على مسيرتهم المنحرفة ، لأن القرآن شيء جديد ، ولأن القائد الذي أمروا باتباعه بشر مثلهم ومن وسطهم. وهذا يدل على انهم لا يتبعون الحق وهدى العقل في حياتهم ، وإنما يتبعون الأهواء والمصالح. وحيث إن قيم القرآن وقيادة الرسول يتعارضان مع تلك الأهواء فهي عجيبة ومرفوضة عندهم.
(بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ)
أي لم تكن له نظائر سابقة ليكون مألوفا عندهم ، فهو شيء عجيب ، والحال إن بلوغ المجد لا يمر عبر الشهوات ، بل يتطلب مخالفتها والتنازل عنها.