فيقول :
(أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ)
أي هل أعجزنا الخلق الأول من العدم عن أن نبعث الإنسان مرّة أخرى؟ كلا. وفي الآية بيان إلى حقيقة تحل شبهة هؤلاء حول البعث ، وهي ان القادر على الخلق من العدم أولى بالقدرة على جمع أشلاء البشر ونفخ الروح فيه مرة ثانية. وهذا دليل عقلي بصير على الرجعة للحساب ، وإن كان كلا الأمرين سواء عند الله الذي لا يمسه نصب ولا لغوب. والقرآن يعبر عن هذه الفكرة في موضع آخر بصيغة ثانية ، يقول تعالى : «أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ* وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ* قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ* الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ* أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ*» (١).
وفي تفسير هذه الآية سأل جابر بن يزيد أبا جعفر (ع) عنها قال : «يا جابر تأويل ذلك أن الله عزّ وجلّ إذا أفنى هذا الخلق وهذا العالم ، وسكن أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ، جدد الله عالما غير هذا العالم ، وجدد خلقا من غير فحولة ولا إناث يعبدونه ويوحدونه ، وخلق لهم أرضا غير هذه الأرض تحملهم ، وسماء غير هذه السماء تظلهم ، لعلك ترى ان الله إنما خلق هذا العالم الواحد؟ أو ترى أن الله لم يخلق بشرا غيركم؟ بلى ، والله لقد خلق ألف ألف عالم ، وألف ألف آدم ، أنت آخر تلك العوالم وأولئك الآدميين». (٢)
__________________
(١) يس / ٧٧ ـ ٨١
(٢) نور الثقلين / ج ٥ ـ ص ١٠٨