إن هذه الحقائق لا تخفى على عقل الإنسان ، ولكن الجهل البشري وضلال الأفكار وهوى النفس كل ذلك يحجبه عنها ، فاذا به يشك في قدرة الله على الخلق ثانية بعد الموت.
(بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ)
أي إن الأمر ملتبس عليهم فهم في حيرة وريبة ، وسبب ذلك هو جهلهم بكيفية حدوث البعث ، بيد إن ذلك لا يعني استحالته ، أترى لو كان يقال لشخص قبل ألف عام عن حديد يطير في الهواء (تعني بذلك الطائرات والصواريخ) هل كان يصدق؟ طبعا لا ، ولكن لو قيل له تفصيل ذلك لعله كان يذعن أليس كذلك؟ وهذه من طبيعة الإنسان انه ينكر الأشياء التي يقصر عن الاحاطة بتفصيلاتها. أما العقل المحض والبعيد عن المؤثرات ، فهو لا ينكر الأشياء لمجرد انتفاء إحاطته بالتفاصيل ، بل ينكرها ما دامت لا تصدق لانتفاء الأدلة عليها. والحال إن الأدلة قائمة على الرجوع للحساب.
[١٦] ومن ذلك ترى الكفار مرتكزين في أوحال الشك والريب من هذا الحق ، فهم بين التصديق والتكذيب تتردد نفوسهم في الوسواس المنبعث من طبيعة البشر ، كما من وساوس الشيطان الذي يسعى لاضلاله.
(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ)
فلم نتركه سدى ، لأنه مسئول ومحاسب في الدنيا والآخرة ، بل بقي تحت الرقابة الإلهية التي لا تقتصر على ظاهره من الكلام والفعل ، وإنما تنفذ إلى أخفى وأبعد شيء عنده وهو حديثه مع نفسه.
(وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ)