فخطرات القلب وهواجس النفس وأفكارها كلها مسجلة عند الله عزّ وجلّ ، فربما قام يوما للصلاة فتردد هل يؤديها الآن أم بعد قليل فهذا مسجل لك أو عليك ، يسجله الله الذي هو أقرب للإنسان حتى من نفسه.
(وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ)
وهي الأوداج التي تربط الرأس بالجسد. إن الإنسان قد يندفع إلى تصرف أو فكرة ما بعوامل لا يدركها ، وقد يقوم بشيء ثم ينساه ، ولكنه تعالى يحفظ كل صغيرة وكبيرة وكل ظاهر وباطن «فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى» (١) ، والمتقون يعون هذه الحقيقة بعمق «إذا زكي أحد منهم خاف مما يقال له ، فيقول أنا أعلم بنفسي من غيري ، وربي أعلم بي مني بنفسي». (٢)
ونجد في العلم الحديث الآن بحوثا عن آفاق العقل الباطن ، وموضوعه دراسة القرارات والتصرفات التي تصدر من الإنسان لمعرفة أسبابها الخفية.
[١٧] (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ)
ولهذه الآية تفسيران :
الأول : إن المقصود «بالمتلقيان» ملك الحسنات وملك السيئات ، وفي الخبر عن الرسول (ص) انه قال : «كاتب الحسنات على يمين الرجل ، وكاتب السيئات على شماله ، وصاحب اليمين أمير على صاحب الشمال ، فاذا عمل حسنة كتبها صاحب اليمين عشرا ، وإذا عمل سيئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال دعه سبع ساعات لعله يسبح أو يستغفر» (٣) وفي خبر آخر «إن صاحب الشمال ليرفع
__________________
(١) طه / ٥٢
(٢) نهج / خ ١٩٣
(٣) نور الثقلين / ج ٥ ـ ص ١١١