وإلى هذا المعنى يشير دعاء الامام علي (ع) حيث يناجي ربه قائلا : «فباليقين أقطع صادقا لولا ما حكمت به من تعذيب جاحديك ، وقضيت به من إخلاد معانديك ، لجعلت النار كلها بردا وسلاما ، وما كان لأحد فيها مقرا ولا مقاما ، لكنك تقدست أسماؤك أقسمت أن تملأها من الكافرين من الجنّة والناس أجمعين ، وأن تخلد فيها المعاندين ، وأنت جلّ ثناؤك قلت مبتدئا وتطولت بالانعام متكرما ، (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ) (١).
[٣٠] رابعا : وأخيرا يثير القرآن في أذهاننا وبصورة غير مباشرة تساؤلا هاما وهو لماذا خلق الله النار؟ هل خلقها عبثا وكيف يصدر منه ذلك وهو الحكيم الخبير. وقد قال في كتابه : «وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ* لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ* بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ» (٢)؟!
إذن ما هو هدف خلق النار؟ والجواب واضح نجده في كثير من آيات القرآن ألّا وهو مجازاة العاصين لله ، كما إن الجنة خلقت لاكرام المطيعين.
(يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ)
وهذه الآية وآيات أخرى في القرآن تفند ما ذهب اليه البعض من انه لا يوجد عذاب عند الله وعللوا ذلك بأنه عزّ وجلّ رؤف خلق عباده ليرحمهم لا ليعذبهم ، ومن هذا المنطلق راحوا يؤولون الآيات التي جاءت بصدد التحذير والوعيد بأنها لمجرد التخويف حتى يطيع الناس ربهم ، وإلّا فهي لا واقع لها.
__________________
(١) مفاتيح الجنان / دعاء كميل / طبعة دار إحياء التراث العربي المخطوطة / ص ٦٦.
(٢) الأنبياء / ١٦ ـ ١٨