إن مجرد سماع الإنسان حديث القيامة يكفي أن يبعثه نحو التفكير ، وإذا فكر تفكيرا سليما اهتدى إلى الحقيقة ، ونضرب على هذه الفكرة مثلا فنقول : لو كان شخص يسير باتجاه حفرة في طريقه ، فانّ مخاطبته بكلمة انتبه وحدها ، حري بأن يرفع عنه الغفلة ويوقظ عقله وحواسه ، فيكتشفها دون أن يحتاج الأمر إلى بيان مفصل. وهكذا لو كنت في سيارة تسير بسرعة وقد غفل سائقها في حين اعترضته سيارة أخرى ، فانّ رفع الغفلة عنه قد لا يحتاج إلّا إلى كلمة واحدة ليضغط على الفرامل. وهكذا القرآن يهز ضمير الإنسان لينتبه من غفلته ، ويستثير عقله في مسيرة الحياة ليفكر فيهتدي للحق ، لأن مشكلته الأساسية أنه لا ينتفع بعقله.
ثم إن القرآن جاء ليحقق هدفين هما : تزكية نفس الإنسان بهدايته إلى الحق ودفعه للالتزام به في كل جوانب الحياة ، كما جاء ليزيده علما بالحقائق من حوله وفي نفسه «هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ» (١) لذلك فالآيات كلها تنتهي إلى أحد هذين الهدفين أو إليهما جميعا في موضع واحد ، ومن هنا ينبغي لنا أن نقرأها مرّة للتعلم ومرّة للاتعاظ.
بينات من الآيات :
[٣١] إن الله لم يخلق ولا شبرا واحدا من النار عبثا ، إنما ليتعذب فيه واحد من المجرمين ، ولم يخلق الجنة إلّا ليكرم بها فريقا من عباده هم المتقون ، وليس يفصل بين الجنة أو النار وبين أي واحد منا إلّا عمله ، فان شاء نقلته سكرة الموت إلى غضب الله وعذابه ، وإن صلح نقلته إلى رضوان الله وثوابه. والإنسان حرّ في عمله فاما يختار الضلال (الكفر والفساد ومنع الخير والاعتداء على الآخرين والارتياب في
__________________
(١) الجمعة / ٢