الايمانية التي نقرأها في الآيات التالية.
وهذا التفسير لا يتعارض مع التفسير السابق بل يلتقي معه وينتهي اليه ، فرحمة الله التي هي العامل الأساسي والمباشر في الدخول إلى الجنة ، ولكنها لا تشمل أحدا بلا سبب ، بل لا بد أن يكون هو في مستوى استيعاب الرحمة.
ولان من عقد البشر النفسية استعجال النتائج فتراه يكفر بالآخرة ولا يسعى للجنّة سعيها لأنها في نظره جزاء بعيد ، فقد أكّد القرآن على الجنّة :
(غَيْرَ بَعِيدٍ)
[٣٢] ولكن ما هي الأعمال والصفات التي تقرّبنا إلى الجنّة؟
إن جميع الاعتبارات الشيئية تسقط يوم القيامة ، وتبقى القيم والأعمال الصالحة هي الميزان. فلا يقرب أحد من ربه لسانه العربي ، ولا لونه الأبيض ولا نسبه الشريف ، وإنما تنفعه الحقائق التالية :
آ ـ الإياب إلى الله والإياب يعني لغة الرجعة ، قال تعالى : «إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً* لِلطَّاغِينَ مَآباً» (١) وقال حاكيا عن سليمان (ع) : «وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ» (٢) وتسمى التوبة أوبة لأنها عودة إلى الفطرة السليمة بعد الانحراف عنها قال تعالى : «رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً» (٣).
إن الناس كلهم خطاؤون ينحرفون عن الحق إلى الباطل في حياتهم عنادا ، أو
__________________
(١) النبأ / ٢١ ـ ٢٢
(٢) ص / ١٩
(٣) الإسراء / ٢٥